حلت مجموعات من الشبان المتطوعين، مكان الأطفال الصغار، الذين دأبوا طوال السنوات الثماني الماضية، على الانتشار في شوارع حاضرة الدمام، حاملين معهم صناديق مغلفة، تضم بضع تمرات، وكأساً من الماء، وفطائر وقطعاً من الشوكولاته. وسجل هؤلاء الأطفال غياباً في السنتين الأخيرتين، بسبب ضعف التمويل المالي للمشروع، قبل أن تعيد المجموعات الشبابية، هذه العادة إلى شوارع الدمام، التي «قللت من الحوادث خلال شهر رمضان في المنطقة الشرقية»، بحسب جهات أمنية. وقامت «الحياة» بجولة ميدانية قبيل أذان المغرب، طوال أيام، على عدد من الأماكن التي تشهد توزيعاً من قبل بعض الشبان. وكانت أولى التجارب التي تحدث هما الأخوان حسين وسامي المبارك، اللذان قررا قبل شهر رمضان بأيام، أن يكون لهما دور في إفطار الصائمين في أحد أحياء الدمام. وقال الأخ الأكبر حسين: «الفكرة بدأت بسيطة، من خلال تقديم الماء وحبات من التمر للواقفين في إشارات المرور، وذلك قبل غروب الشمس. وكانت هذه المبادرة شخصية مني، قبل أن ينضم إلي أخي سامي، وكانت بتمويل شخصي منا نحن الاثنين». وذكر أن «التمويل انحصر فيما تم جمعه من مكافآت الجامعة، لذلك كان رأس المال قليلاً، ما جعل عدد ما يقدم محدوداً، ولا يتجاوز في أول الأيام 15 وجبة». وسلك سامي طريقاً مختلفاً في فهمه للفكرة، إذ قرر أن يوسع دائرة الأجر، «ليشمل بقية الأهل، فالعائلة مكونة من سبعة أفراد، لذلك كان جمع مبلغ، ولو قليل من كل واحد منهم، سبباً في زيادة رأس مال هذا المشروع الخيري، وبالتالي زيادة في عدد الوجبات، وحينها الأجر يشمل عدداً أكبر»، مبيناً أن ذلك التحول الذي حدث بعد أول ستة أيام، «جعل حتى الوجبة تتطور بعض الشيء، إذ أضيف لها قطعاً من البسكويت، بحكم أن النشويات ضرورية للصائم، وفي أوقات أخرى كان يضاف لها قطع من الحلوى أيضاً، لضرورة السكريات، وإعطائها سعرات حرارية يفتقدها الصائم طوال النهار». وسرد حسين، أغرب المواقف التي حدثت لهما منذ أن بدأ التوزيع، والتواجد عند الإشارة قبل ربع ساعة من موعد الإفطار، إذ «وقف ذات يوم شخص، وبعد أن أخذ الوجبة، أصر على أن يعطينا مكافأة، وكانت غالية جداً، وهي مصحفان لي ولأخي». كما ذكر موقفاً آخر، لكنه «مؤلم، إذ تفاجأنا ذات مرة ونحن نوزع الوجبات على السيارات، بأحد الركاب أصيب بنوبة سكر، ما استوجب أن يأكل أي شيء، حتى لا تتضاعف عليه الأعراض، وقام الرجل سالماً، ودعا لنا بالتوفيق والصلاح. وهو ما كنا نرجوه منه، ومن بقية من نوزع عليهم الوجبات». في موقع آخر، كان أحمد العجيمي يحاول أن يطبق ما تعلمه من تجاربه السابقة في إفطار الصائمين عند الإشارات، قبل سنوات، «فمن يعمل في هذه التجارب لن يستفيد فقط خبرة إدارية، ولكن تربوية أيضاً، وهذا ما يحتاج إليه العمل التطوعي الخيري ليتواصل، وتستمر بذوره، حتى لو أخذ صوراً وأشكالاً مختلفة، بخلاف ما مضى من عمل مؤسساتي ممنهج». وأوضح أن الأمر لم يكلفه سوى «إطلاق دعوة عبر صفحتي عبر شبكة التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، لمن يرغب في المشاركة. ووجدت تجاوباً من الأصدقاء». وتكفل أحد رجال الأعمال الشباب بجزء كبير من مبلغ الوجبات، وفيما تم إكمال البقية بالمساواة بين المشاركين كافة، الذين بلغ عددهم 16 شخصاً. وتم توزيعهم على ثلاث نقاط. وأبان العجيمي، أن من بين من شاركوه التوزيع «أطفال صغار، كان أبوهم يحرص كل يوم على الإتيان بهم إلى نقطة الإفطار. وكان شديد الحرص على مشاركتهم في التوزيع، حتى يغرس فيهم حب البذل والعطاء للآخرين». وبدأ علي بوبشيت، تجربة «فردية»، ولكنها تحولت إلى «جماعية». وقال: «قررت في أول يوم من شهر رمضان المبارك، أن أخرج لأوزع الماء والمرطبات الباردة، قبل وقت الإفطار على الصائمين عند الإشارات، فأكثر ما يبحث عنه الناس في هذا الوقت الحار هو المرطبات، وتعويض ما فقدوه من أملاح، بسبب الأعمال والأشغال، وبخاصة من يعملون في الميدان». وأضاف بوبشيت، أن هذا العمل الفردي فتح له باباً للعمل الجماعي، «ففي اليوم الثالث من الشهر، وأنا أوزع على إحدى السيارات الممتلئة بالشباب، سألني أحدهم: لماذا توزع لوحدك؟ فقلت له: أنني أوزع من تلقاء نفسي. فأخذتهم النخوة لمساعدتي في اليوم الأول، وظلوا على هذا الحال بقية الأيام وحتى الآن. يساعدونني في التوزيع من جهة، ودعم الإفطار بما يستطيعون، وبخاصة أنه لا يكلف الكثير، بحكم أن ما يوزع محصور في المرطبات لا أكثر».