عارضت في مقال الجمعة قبل الماضي مقترحات مجلس إدارة مؤسسة التقاعد في اجتماعها في آذار (مارس) الماضي برئاسة وزير المالية الدكتور إبراهيم العساف، الذي يترأس مجلس إدارة المؤسسة. وللتذكير فإن التوصيات كانت، الأولى: رفع السن التقاعدية للمدنيين والعسكريين، الثانية: النظر في دعم احتياطات حساب التقاعد العسكري، بما في ذلك زيادة الاشتراكات بشكل تدريجي، الثالثة: العمل على الحد من التقاعد المبكر من خلال إيجاد ضوابط تحكم ذلك، التوصية الرابعة كانت باستخدام متوسط الراتب لآخر خمس سنوات، لغرض احتساب المعاش التقاعدي بدلاً من الراتب الأخير. وأشرت في المقال الذي كان بعنوان «المتقاعدين... وصناديقهم»، إلى تصريح آخر لمساعد محافظ المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية عبدالعزيز الهبدان ل «الاقتصادية»، أشار فيه إلى ارتفاع مصروفات المؤسسة جراء صرف المعاشات والتعويضات بدرجة تفوق كثيراً عوائد استثماراتها. واقترحت أن يتم استخدام طريقة «Pay as you go»، والتي تعني ببساطة أن تدفع ادخارات الموظف الحالي إلى المتقاعد الحالي للتغلب على شح عوائد الاستثمارات لمؤسستي التقاعد في المملكة. وبينت أنه بناء على بعض الأرقام فإنه لدينا خمسة موظفين في مقابل كل متقاعد، وبالتالي فإن تجميع مدخراتهم الشهرية ستكون كافية لصرف رواتب المتقاعدين. ما أعادني للموضوع هو العدد الكبير من الرسائل والإيميلات التي تؤيد المقال، وتعارض جملة وتفصيلاً هذه التوصيات، وتتفق على ضررها للموظفين والمتقاعدين. كما شهدت ساحات «تويتر» تغريداً حاراً على هاشتاق «التقاعد- المبكر- ضرورة»، وكانت كل الآراء تقريباً ضد التوصيات. وبدورهم قال قراء صحيفة الاقتصادية رداً على حديث الهبدان إن «التقاعد المبكر من حقوقنا.. وليس عبئاً على أحد». من جهته، قال الكاتب في صحيفة اليوم خالد الشنيبر في مقاله «عقدة التقاعد المبكر»، إن «التقاعد المبكر أصبح من الضروريات لدفع كفاءات جديدة شابة لديها القدرة على التغيير والانتقال من مرحلة التفكير الحجري لمرحلة تطويرية تساهم في تطوير عمل الإدارات الحكومية وتساعد في مرحلة التنمية»، كما سيساهم التقاعد المبكر- والحديث للشنيبر- «في توفير فرص عمل ليست قليلة للعديد من الباحثين والباحثات عن عمل في بلادنا في ظل ارتفاع معدلات البطالة وزيادة أعداد خريجي الجامعات، سواء من داخل أم خارج المملكة». ويوم الأربعاء قال عبدالله الحسن في مقالة في «الرياض»، إن «التقاعد المبكر حق أصيل للمشتركين وليس عبئاً على التأمينات». خلاصة ما أود قوله، ان كل توصيات مؤسسة التقاعد - بما فيها إعادة النظر في التقاعد المبكر- جاءت لصالح جانب واحد هي المؤسسة نفسها، ولكنها ضارة بالملايين من الموظفين، ومن العاطلين الذين ينتظرون تقاعد أقرانهم للالتحاق بسوق العمل، وللاقتصاد السعودي الذي يجب عليه أن يتحمل وجود كبار السن، ويضحي بالصغار، ويتحمل نسبة عالية من البطالة من أجل مشكلات مؤسستي التقاعد الماليتين. وكان الأجدر بالمؤسسة، وعلى أقل تقدير عرض اقتراحاتها لتصويت المستفيدين، وأخذ وجهات نظرهم، بدلاً من تمريرها على رغم علمها بالضرر الذي يقع على الموظفين. وسأتفق مع المؤسسة إن لاقت التوصيات قبول المستفيدين ونالت غالبية أصواتهم. كما كان يجدر بمجلس إدارة «التقاعد» ومثلها «التأمينات»، أن تعيدا النظر في طريقة استثمارهما لادخارات الموظفين، فالأكيد أن هذه المدخرات لو كانت عند بنك تجاري لرأيناها تحقق أرباحاً كبيرة، أو قل خرافية. كما يجدر بالمؤسستين أن تخبرانّا عن جدوى طريقة «Pay as you go»، ولماذا لم تأخذا بها على رغم أنها مطبقة في كثير من الدول الأخرى. إن ما يجعلني أعيد الكتابة عن الموضوع هو الخوف أن تمرر هذه التوصيات بلا دراسة كافية، ومن دون تمحيص لسلبياتها وإيجابياتها على الموظفين، وعلى الاقتصاد السعودي، فالتوصيات سلبية على الناس، وكان يجب أن تكون آخر الحلول لا أولها، وبعد استنفاد المقترحات كافة، ومنها تطبيق الطريقة التي ذكرها المقال، والتفكير في دمج المؤسستين لتخفيف التكاليف والامتيازات والرواتب التي تدفع هنا وهناك، والاستعانة ببيوت عالمية لها خبرة في استثمارات المتقاعدين. والأكيد أن الباب واسع لإيجاد حلول لمشكلة مؤسستي التقاعد الماليتين من دون أضرار بالمستفيدين. * أكاديمي سعودي متخصص في الاقتصاد والمالية www.rubbian.com