بعد حشد عسكري استمر ما يقرب من الشهر، بدأت أمس معركة حلب المنتظرة باقتحام القوات النظامية السورية الدبابات حي صلاح الدين الذي يعتبر احد معاقل المعارضين في المدينة. وفيما اعلن التلفزيون السوري ووكالة «سانا» الرسمية إن الجيش النظامي يتقدم في المدينة وسيطر على حى صلاح الدين، نفى الجيش السوري الحر ذلك، فيما قال المرصد السوري لحقوق الانسان إن قتالاً هو الاعنف يدور في المدينة. وبدأ الهجوم غداة اعلان الرئيس السوري بشار الاسد خلال لقائه مبعوث المرشد الاعلى لإيران سعيد جليلي، تصميمه على المضي قدماً في الحل الامني حتى «تطهير البلاد من الارهابيين»، في حين حصل على دعم كامل من ايران، التي قال موفدها جليلي إن بلاده لن تسمح «بكسر محور المقاومة» الذي تشكل سورية «ضلعاً اساسياً فيه». وأفاد مصدر امني في دمشق وكالة «فرانس برس»، أن الجيش «يتقدم من اجل تقسيم الحي (صلاح الدين) الى شطرين»، متوقعاً ان «استعادته ستستغرق وقتاً قصيراً، حتى لو بقيت بعض جيوب المقاومة». فيما قالت وكالة الانباء السورية الرسمية (سانا): «أحكمت قواتنا المسلحة الباسلة اليوم سيطرتها الكاملة على حي صلاح الدين في حلب». وقال مصدر امني سوري في دمشق ل «فرانس برس»، إن «الهجوم على صلاح الدين بدأ الساعة الرابعة (الواحدة ت. غ.)» فجر امس، لافتاً الى ان «الجيش سيطر على شارعي الملعب والشرعية (في صلاح الدين) بعد معارك عنيفة». ولفت الى ان القوات النظامية «تفاجأت بعد هذه الاشتباكات العنيفة بالانهيار الشامل» الذي اصاب مواقع المقاتلين المعارضين، مضيفاً ان «هناك الكثير من الخسائر» في صفوف المقاتلين المعارضين. وكشف المصدر ان «خطة الجيش النظامي تقضي بالسيطرة على حيي صلاح الدين وسيف الدولة غرب مدينة حلب، تمهيداً للهجوم على الأحياء الشرقية من المدينة» التي يسيطر عليها المقاتلون المعارضون. وأوضح مصدر امني سوري، أن الجيش «يتقدم في حي صلاح الدين ويسيطر على المحاور الأساسية»، متوقعاً ان «يستمر تنظيف جيوب المقاومة حتى صباح الخميس». وأشار الى ان الجيش السوري كان يسيطر قرابة الساعة 13:00 (10:00 ت. غ.) على ثلاثة أرباع الحي «الذي يسقط بسرعة». لكن قائد كتيبة «نور الحق» في الجيش الحر النقيب واصل ايوب، قال ل «فرانس برس» إن الجيش السوري الحر استعاد بعد ظهر امس أجزاء من حي صلاح الدين بعد هجوم مضاد شنه مقاتلوه. واوضح ايوب ان «الجيش السوري الحر يشن منذ نحو ساعة ونصف هجوماً مضاداً استعاد فيه ثلاثة شوارع من اصل خمسة سيطرت عليها القوات النظامية»، مشيراً الى ان ذلك «أتى بعد وصول تعزيزات قوامها نحو 700 مقاتل من احياء السكري وبستان القصر والشعار و(مساكن) هنانو» التي يسيطر عليها المعارضون المسلحون شرق مدينة حلب وجنوبها. وأضاف ان الجيش النظامي «يسيطر الآن فقط على دوار صلاح الدين وشارعين محاذيين، لكنهما ليسا رئيسيين»، لافتاً الى ان «الجيش الحر يقوم بعملية التفافية حول دوار صلاح الدين تمهيداً لتنظيفه» من الجيش النظامي. وقال ان الدليل على تراجع جيش النظام هو «القصف المدفعي من قبل قوات النظام، والذي بدأ يستهدف الحي»، مضيفاً ان «ثلاث مروحيات بالإضافة الى طائرة نفاثة تشارك في عمليات القصف». كما قال رئيس المجلس العسكري في منطقة حلب التابع للجيش السوري الحر المعارض عبد الجبار العكيدي، إن «الهجوم همجي وعنيف، لكن النظام لم يسيطر على الحي». فيما افاد ناطق باسم المعارضة أبو محمد لرويترز عبر الهاتف: «تمركزت القوات السورية على أحد جوانب صلاح الدين، إلا أنها لم تدخل والاشتباكات مستمرة». وفي هذا السياق، افاد قائد كتيبة درع الشهباء في الجيش الحر في حلب النقيب حسام ابو محمد «فرانس برس» من حي صلاح الدين، أن «الجيش الحر شن منذ العاشرة (7:00 ت. غ. صباح امس) هجوماً لمدة سبع ساعات، واستعدنا معظم السيطرة» على صلاح الدين. واوضح ان «هناك هجمات كر وفر في المنطقة الواقعة مقابل ملعب الحمدانية بيننا (الجيش الحر) وبين الجيش (النظامي)»، مشيراً الى أن «عدداً من قناصة النظام ما زالوا يتمركزون في مبنى عند شارع الإشارت المؤدي الى دوار صلاح الدين». وقال ان الجيش النظامي «كان أعلن ساعة الصفر وبدأ هجومه على صلاح الدين نحو الساعة الخامسة (2:00 ت. غ.) فجراً (امس) ووصل الى دوار صلاح الدين، حيث نشر عربات بي ام بي وعدداً من الجنود». ولفت الى قصف بالمدفعية «المتوسطة والبعيدة» على أحياء صلاح الدين. وذكر التلفزيون السوري الرسمي أن عشرات من «الإرهابيين» قتلوا في حي باب الحديد القريب من القلعة القديمة، وباب النيرب في الجنوب الشرقي. ويستخدم مقاتلو المعارضة صلاح الدين كقاعدة منذ ثلاثة أسابيع، إلا أن شاهداً من رويترز قال إنهم انسحبوا من بعض المواقع امس. وبدأت ذخيرة مقاتلي المعارضة في حلب تتناقص في الأيام الأخيرة، في الوقت الذي عزز فيه الأسد قواته استعداداً لهجوم على أحياء تسيطر عليها المعارضة. وأفاد قائد كتيبة «نور الحق» النقيب ايوب: «اقتحمت القوات النظامية حي صلاح الدين من جهة شارع الملعب في غرب المدينة بالدبابات والمدرعات»، وأكد ان الجيش الحر «لم ينسحب من الحي»، موضحاً ان الجيش النظامي «موجود في مساحة تقل عن 15 بالمئة من صلاح الدين». وذكر ان «محاولات التقدم مستمرة»، مشيراً في الوقت نفسه الى «صعوبة شن هجوم مضاد من الجيش الحر بسبب وجود القناصة المنتشرين في كل مكان». من جهته، اكد المرصد السوري لحقوق الانسان، ان صلاح الدين يشهد معارك وصفها بأنها «الأعنف» منذ بدء المواجهات في حلب قبل ثلاثة اسابيع. ولفت المرصد الى أن احياء هنانو وطريق الباب والشعار في المدينة، تتعرض بالتزامن مع اقتحام صلاح الدين الى «القصف من قبل القوات النظامية»، مضيفاً ان اشتباكات عنيفة دارت كذلك في حيي ميسلون والصاخور بمدينة حلب. ولفت مدير المرصد السوري رامي عبد الرحمن في اتصال مع «فرانس برس»، الى ان «اشتباكات عنيفة تدور في شارعي العشرة والشرعية في صلاح الدين»، مضيفاً ان «الجيش النظامي دمر ثانوية الشرعية بالكامل كما دمر مدرسة القنيطرة التي كانت مقراً لإحدى كتائب الثوار». وقال ان جيش النظام «يهاجم صلاح الدين من محاور عدة»، موضحاً ان «الشارع الوحيد الذي يسيطر عليه جيش النظام من دون مقاومة في حلب هو شارع 15». وأشار المرصد في بيان إلى ان «القوات النظامية تتكبد خسائر فادحة نتيجة المقاومة الشرسة من قبل مقاتلي الكتائب الثائرة المقاتلة لاستعادة السيطرة على الحي». واعلن قائد العمليات الميدانية في لواء التوحيد في الجيش الحر عبد القادر الصالح، أن مقاتلي اللواء «استطاعوا (الثلثاء) تدمير خمس دبابات وطيارة ميغ بالقرب من مطار حلب الدولي». ويتعذر التأكد من الاحداث الميدانية والامنية، بسبب القيود المفروضة على تحركات الصحافيين والوضع الامني. وحشد الجيش السوري النظامي والجيش السوري الحر قواتهما على اطراف احياء مدينة حلب وداخلها، وتشهد المدينة معارك عنيفة منذ 20 تموز (يوليو). وذكرت مصادر امنية سورية، ان الجيش النظامي حشد نحو 20 الف جندي، مقابل ما بين ستة الى ثمانية آلاف من عناصر الجيش الحر، حيث يعتبر الطرفان معركة السيطرة على حلب بأنها «حاسمة»، خصوصاً مع وقوع مناطق ريف حلب شمال المدينة في قبضة الجيش الحر، وصولاً الى الحدود التركية. وقتل 13 شخصاً على الاقل امس في حلب، في قصف عنيف للقوات النظامية على احياء يتمركز فيها مقاتلون معارضون، حسبما افاد المرصد السوري لحقوق الانسان. واوضح المرصد «قتل 12 شخصاً في مدينة حلب بينهم سيدة وطفلان، إثر سقوط قذيفة على منزلهم». وتابع المرصد من مقره في لندن، ان القصف «العنيف» يستهدف «أحياء القاطرجي وطريق الباب والشعار». واشار الى ان مواطناً قتل برصاص مسلحين تابعين للنظام في بلدة اورم في المحافظة. وحصدت اعمال العنف في سورية اول من امس 29 قتيلاً هم 21 مدنياً بينهم 13 في مدينة حلب، بالإضافة الى ثلاثة مقاتلين معارضين، وما لا يقل عن خمسة من القوات النظامية.