بدت العلاقة بين فريق «رواحل» التطوعي، ومسنات دار الرعاية في الرياض، حميمة وأخوية. لا يمر طقس سنوي إلا ويشاركن فيه، إن كان روحانياً - مثل رمضان - تناولن الإفطار مع المسنات، وإن كان فرحاً - مثل العيد - أتين بالحلويات والمسابقات لنزع البؤس من صدورهن، ورسم البسمة التي غيبها الزمن عن محياهن. زيارة الفتيات مساء الخميس الماضي لدار المسنات، كانت ذات شجون كما روت إحداهن ل«الحياة»، فعلى رغم قلة الوقت إلا أن المواقف التي حدثت حفرت في أذهان المشاركات، خصوصاً اللاتي يحضرن للمرة الأولى. قائدة فريق رواحل لولوة الجبيري، تدير التطوع باحترافية متقدمة. منذ أسابيع وهي تدير العمل. أنشأت مجموعة في تقنية «الواتس آب» ومن خلالها تعقد ورش العمل، وتناقش الأفكار والمقترحات. وزعت العمل. منهن من اختارت المشاركة في الأكلات الرمضانية، ومنهن من تولت تقديم الحفلات والمسابقات، ومنهن من تولت إعداد الهدايا والجوائز. في جانب الأكلات والهدايا، تم مراعاة الطابع العمري للمسنات، فكانت الأكلات الشعبية لها الأولوية، كما أن الهدايا روعيت فيها أعمارهن، فقدم الفتيات الجامعيات سجادات صلاة ومساويك وساعات «خراش» وغير ذلك. دبت الفرحة في عروق المسنات، ما إن وطئت أقدام الفتيات الدار، إذ عانقن الفتيات بحرارة يملؤها الشوق، بعد طول انتظار، ففي آخر لقاء لفريق رواحل منذ أشهر عدة، أصرت المسنات على ضرورة تكرار الزيارة. بعد أن قدم الفتيات الجوائز والبرنامج الثقافي الخفيف بعد الإفطار، انخرطت كل واحدة منهن في أحاديث جانبية لإضفاء الأنس عليهن. حدثت مواقف أذهلت الحاضرات. من تلك المواقف، رغبة إحدى المسنات في مكالمة ابنها. تقول المسنة لقائدة فريق رواحل لولوة الجبيري: «يا أم إبراهيم كلمي ولدي، كلمت عليه أكثر من مرة من جوالي ولا يرد، بتأكد هو يصوم ويصلي ولا لا؟!». اتصلت الجبيري على رقم ابن المسنة، فرد على الجوال وعلل بأن سبب عدم زيارته لأمه في الدار عدم وجود مال لديه ولا يملك سيارة توصله، فقالت الجبيري له تعال سلم على أمك ونحن نتكفل بالمال، فوعدها بالزيارة التاسعة مساء، ثم بدأت المكالمة بين الابن وأمه في منظر «تراجيدي» حزين أمام مسمع ومرآى الفتيات. بعد تلك المكالمة، ظنت إحدى المسنات أن جوال الجبيري يستطيع أن يكلم كل الأبناء، فطلبت أن تكلم ابنها من دون أن تعرف رقمها، وقالت: «جوالك ما يقدر يخليني أكلم ولدي»؟ إحدى القاطنات في الدار تبدو أصغر من المسنات، إذ تبدو في بداية العقد الثالث من العمر، تطلب من قائدة فريق رواحل تزويجها، للخروج من ملل الدار وروتينها المتكرر. مسنة تبدو من الحجاز، حين أذن المغرب، رفضت الإفطار مع مسنات دار الرياض، وجلست تنتظر أذان مكة، تقول: «أنا لا أفطر على أذان الرياض.. لن أفطر إلا على أذان مكة». حاولت الفتيات إقناعها ولم تقتنع. جلست تنتظر إلى الساعة السابعة وحين حل أذان مكة تساءلت «هل الساعة سبع»؟ قالوا لها نعم، قالت: «أخاف إنكم لاعبين في عقارب الساعة!»، وبعد جهد أفطرت. يلحظ الزائر لعدد من المسنات إصابتهن بصدمات نفسية وربما عقلية، تجعل من بعض تصرفاتهن طفولية. إذ تحبذ بعضهن عمل ضفائر «جدايل»، أو «تجعيد» للشعر محاكاة للفتيات، وأخرى تبكي بألم حين فقدت ساعاتها وتطالب بالتعويض، وأخرى تبكي حين قدمت الفتيات لها سجادة خضراء، وهي تريد زرقاء مرسوم عليها هلال رمضان. إحدى المسنات تملك قلماً أدبياً وتصر أنها شاعرة، وتكتب خواطر من إنشائها، وبين الفينة والأخرى تتحدث بالفصحى وتقدم شعر الرثاء في وفاة الأمير سلطان والأمير نايف. خرج الفتيات، خصوصاً اللاتي لم يرين المسنات من قبل، والسعادة تملأهن بعد أن منحن الأنس لشريحة لم تنل حظها من الاهتمام المجتمعي والحكومي معاً. المسنات مقطوعات عن المجتمع لكن إبداعهن لم ينقطع.