سلطت الحوادث الأخيرة في آسيا الوسطى الضوء على أهميّة أوزبكستان في ميزان سياسة الولايات المتّحدة في المنطقة. فموقعها مفيد في تسهيل نقل العتاد العسكري من أفغانستان وإليها، وفي الإعداد للضربة المحتملة لإيران. وتسعى الولاياتالمتحدة إلى التعاون العسكري مع أوزبكستان، لكن عضوية الأخيرة في «منظمة الأمن الجماعي»، (تجمع الجمهوريات السوفياتيّة السابقة)، حالت إلى وقت قريب، دون إنشاء قواعد عسكريّة أجنبيّة على الأراضي الأوزبكيّة. وسعت واشنطن في الماضي إلى حمل أوزبكستان على ترك المنظمة، لكنها كانت تتردد في الانسحاب مخافة بلوغ عدوى «الربيع العربي» طشقند. وتغيّرت الأحوال أخيراً. فالولاياتالمتحدة ستدعم نظام إسلام كريموف، وعين أميركا على إيران وليست على أوزبكستان. لذا، تقدم واشنطن في سياق التمهيد لبلوغ أهدافها في إيران، العون الاقتصادي والدعم العسكري لأوزبكستان، وتدعم نظام كريموف. وليس خروج البلد من منظمة الأمن الجماعي مفاجئاً، فالمنظمة أثبتت شللها وعجزها عن مساعدة أعضائها في المحن. فهي لم تحرك ساكناً لمساعدة أوزبكستان حين واجهتها مشكلات على حدودها الجنوبيّة في 1999، و2000 و2010. وأبرز أسباب انضمام أوزبكستان إلى المنظمة يعود إلى رغبتها في تجنب مواجهة مع روسيا وكازاخستان، والطمع بالحصول على الأسلحة الروسيّة بسعر مخفّض. والحال أن أوزبكستان لم تشترك يوماً في تدريبات المنظمة العسكريّة ومناورات مكافحة الإرهاب. لكن العضوية كانت توفر الحماية لأوزبكستان، وما فاقم الأمور هو سياسة روسيا البائسة في آسيا الوسطى، وإخلالها بالتزاماتها، وسعي موسكو إلى منع الصين والولايات المتّحدة من دخول المنطقة. ثمار السياسة الروسية المسمومة ظهرات في قمة «منظمة شنغهاي للتعاون» الأخيرة. وخالفت كازاخستان، وأوزبكستان وقيرغيزيا الموقف الروسي إزاء عمل المنظمة، ما صبّ مباشرة في مصلحة الصين. وأبرمت كازاخستان اتفاق تعاون استراتيجي مع الصين. ويعود ضعف التأثير الروسي في سياسة الآستانة (عاصمة كازاخستان) إلى سماح موسكو لحلف «الناتو» باستخدام قاعدة عسكريّة في أوليانوفسك لتيسير عمليات قواته اللوجستية في أفغانستان. وأضعفت هذه الخطوة الموقف الروسي في آسيا الوسطى، لذا، لا يستبعد أن تحل السفن الأميركيّة ضيفاً في مرفأ أكتاو القزويني، على رغم أنّ كازاخستان، ما زالت ترفض طلب الأميركيين استخدام المرفأ نقطة دعم تقنيّ. تسعى أوزبكستان إلى تقديم قاعدة عسكريّة للولايات المتّحدة في كارشي، على رغم وجود علاقة وديّة تربط بين كريموف وبوتين. ويأتي هذا في ظلّ توقع أزمة اقتصاديّة روسية في الخريف، تقيد يد موسكو في السياسة الخارجيّة. وتسعى أوزبكستان إلى إبرام حلف استراتيجي مع الولايات المتّحدة في أفغانستان وفي المساهمة في إعداد الضربة المرتقبة لإيران. فهي تطمع في الحصول على المعدّات العسكريّة التي تمنحها الولايات المتّحدة هبة للبلد المضيف، وفي اكتساب المعايير العسكريّة «الأطلسية». وتسعى واشنطن كذلك إلى التقرب من أذربيجان وطاجيكستان لتضييق الدائرة حول إيران. في ضوء مثل هذا النشاط الأميركي في المنطقة، يرجح أن تفوز واشنطن قريباً بقواعد عسكريّة في كل بلدان آسيا الوسطى. * صحافية، عن «نيزافيسيمايا غازيتا»، 4/7/2012، اعداد علي شرف الدين