تثير تصريحات ميت رومني، المرشح الجمهوري للرئاسة الاميركية، خلال زيارته لاسرائيل، قدراً من الشفقة على الرجل اكثر مما تدفع الى انتقاد مواقفه. لقد بدا متسولاً لاصوات اليهود الاميركيين امام بنيامين نتانياهو. يزايد عليه في مواقفه حيال القدس «عاصمة اسرائيل» وحيال ايران ودعم حق اسرائيل في توجيه ضربة عسكرية لها اذا وجدت ذلك ضرورياً. وفوق التسول، بدا جاهلاً جهلاً مطبقاً بحقائق الصراع وتاريخه، ومتجاهلاً أن مرشحين كثراً، آخرهم جورج بوش، سبقوه الى الوعد بالاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل، وبنقل السفارة الاميركية اليها. ولكن العلاقات الاميركية الاخرى بدول أساسية في المنطقة، من بينها المملكة العربية السعودية، حالت دون تنفيذ ذلك الوعد الانتخابي، لما تمثله القدس كرمز ديني من اهمية، ليس من السهل على اي ادارة اميركية ان تواجه عموم المسلمين بسببها، فضلاً عن مواقف المراجع المسيحية التي ترفض الاعتراف بالاحتلال الاسرائيلي للقدس. اما بالنسبة الى مزايدة رومني في الموضوع النووي الايراني، فقد اثار موقفه انتقادات من داخل الولاياتالمتحدة نفسها، حيث يقضي التقليد بعدم استخدام المنابر الخارجية لانتقاد سياسات الرئيس الاميركي من قبل منافسه. وبدا دفاعه عن الضربة العسكرية الاستباقية لإيران، كبديل عن سياسة تشديد العقوبات التي تتبعها ادارة اوباما، مثيراً لسخرية الاسرائيليين انفسهم، اذ رد عليه شاوول موفاز وزير الدفاع السابق والزعيم الحالي لحزب «كاديما» المعارض بالتحذير من ان توجيه ضربة الى ايران سيمثل كارثة بالنسبة الى اسرئيل. وقال موفاز ان على قادة اسرائيل ان يطرحوا سؤالين قبل الاقدام على عمل كهذا. الاول: هل ستؤدي هذه الضربة الى تغيير استراتيجي في سياسة ايران؟ والجواب هو طبعاً لا. والثاني: هل سيقود هجوم عسكري على ايران الى حرب في المنطقة؟ والجواب هو بالتأكيد نعم. ولذا دافع موفاز عن سياسة العقوبات والاحتواء العسكري، خصوصاً في ظل الغموض الذي يحيط بمدى تقدم البرنامج النووي الايراني. وأمس أثبت ميت رومني ان حماقته لا تنافسها سوى وقاحته، عندما اعتبر في كلمة القاها في مناسبة لجمع التبرعات لحملته الانتخابية ان سبب نجاح الاقتصاد الاسرائيلي مقارنة بالاقتصاد الفلسطيني يعود اولاً الى «الرعاية الالهية» ومن بعدها الى «قدرة الشعب اليهودي على الابداع في مواجهة التحديات». والمستغرب ان يطلق هذه التصريحات بعد يوم على لقائه رئيس الحكومة الفلسطينية سلام فياض الذي لا بد انه شرح لرومني انه يرأس حكومة تعيش على الهبات وتبرعات الدول المانحة، لأن الارض التي «تحكم» عليها هي ارض خاضعة للاحتلال الاسرائيلي، الذي هو السبب الرئيسي في مأساة الفلسطنيين الاقتصادية، والانسانية والسياسية ايضاً. صحيح ان هذا موسم استجداء اصوات اليهود الاميركيين. ففي هذا الوقت ايضاً قبل اربع سنوات كان باراك اوباما يخوض حملته الانتخابية في اسرائيل تمهيداً لمؤتمر الحزب الديموقراطي عشية الانتخابات. غير ان تصريحات ميت رومني في زيارته هذه لا تكشف فقط غباءه وضحالة السياسيين في حزبه، وهم الذين رشحوا سارة بالين نائبة للرئيس في الانتخابات الماضية. بل تسيء كذلك الى مصالح بلاده والى دورها في المنطقة، وترفع المخاوف من قوة ايران النووية الى مرتبة يطمح اليها الايرانيون، من غير ان تستند الى اي وقائع. كما تثير هذه التصريحات القلق البالغ على مصير منطقتنا والعالم خلال السنوات المقبلة اذا اتيح لهذا الرجل ان يدخل البيت الابيض ... لا سمح الله!