حين يجلس الرجل مع زوجه في لحظة من لحظات الصفاء، وأولادهم يتراقصون أمامهم فرحاً، يمارسون براءة الطفولة، تجدهما يخططان لمستقبل أبنائهم، فيتكلمان عن اقتناء منزل، ويتحّدثان عن الادخار المالي، وكيفية تربية الأبناء، وفي أي المدارس سيتعلّمون، وأي التخصصات سيدخلون، وإلى أية جامعة سيذهبون؟ حين يفكّرون بكل ذلك، فالمفترض ألا يغيب عن أذهانهم أن يتركوا مجالاً لتعليم أبنائهم كتاب الله تعالى، فكما يفتشون عن المدرسة الجيّدة التي تعلّمهم تعليماً عصرياً مميزاً، فالمرجو أن يبحثوا عن المسجد الجيّد، وحلقة تحفيظ القرآن المميزة، وكما يشترون لهم أدوات التسلية المختلفة أو يذهبون بهم إليها ليسعدوهم ويدخلوا الفرحة على قلوبهم، فليس أقل من أن يسعوا إلى تسجيلهم في إحدى حلقات تحفيظ القرآن القريبة من منزلهم. لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معنياً بتعليم الأطفال القرآن، وكان معنياً بما يتعلّق بالعقيدة من القرآن في مبادئها العامة المناسبة لعمر الطفولة، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلّم: «كان الغلام إذا أفصح من بني عبدالمطلب علّمه النبي صلى الله عليه وسلّم هذه الآية سبعاً: (الحمد لله الذي لم يتّخذ ولداً ولم يكن له شريكٌ في الملك ولم يكن له وليٌ من الذل وكبّره تكبيراً)». كما وضع الإمام البخاري في الصحيح باباً في تعليم الصبيان القرآن، ثم ساق حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «توفي رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأنا ابن عشر سنين، وقد قرأت المُحكَم»، والمُحكَم هو المفصّل، وهو من سورة الحجرات إلى آخر القرآن. من خلال هذين الحديثين يبدو لنا جليّاً حرص النبي صلى الله عليه وسلّم والصحابة رضي الله عنهم على تعلّم القرآن للأطفال، وهو تعليمٌ متدرّج يراعي عمر الطفل، فهو يعلّمه إذا أفصح وبدأ النطق بالكلام آية واحدة تلخّص له مبادئ التوحيد الكبرى، ويتدرّج في ذلك ليبلغ تعليم المفصّل لمن هم دون العاشرة، وإذا كان الأمر بهذه المثابة؛ ألا يجدر بنا أن نهيئ البيئة المناسبة لوضع أبنائنا وبناتنا في المكان المناسب لتعلّم القرآن من حين أن يبلغوا سناً مناسبة تؤهّلهم لذلك. إن الأبناء حين يتعلّمون القرآن تقوى ذاكرتهم، وتتحسّن لغتهم، وطريقة نطقهم للكلام، زد على ذلك تفوّقهم العلمي، كما أكدت ذلك عدد من الإحصاءات في المملكة العربية السعودية، التي أكّدت تفوّق طلبة مدارس تحفيظ القرآن على أقرانهم ممن مارس التعليم العام، وليس هذا فقط؛ فأثر تعلّم القرآن بارزٌ في حُسن الخلق والبُعد عن الجرائم ومنكرات الأخلاق والأقوال والأعمال، التي تتكاثر عند بعض أبناء هذا الجيل في مثل هذه السنّ. ومما يتعلّق بذلك تهيئة البيئة المناسبة لهم، من خلال أساليب الحفز والتشجيع، حتى نرغّبهم في ذلك، ونسهّل لهم أمر الحفظ. إننا حين نفعل ذلك فإننا نرجو أن نكو خير الناس، لأننا طبقنا وصية رسول الله صلى الله عليه وسلّم في ما رواه عثمان بن عفّان رضي الله عنه: «خيركم من تعلّم القرآن وعلمه»، والتعبير ب«خيركم» يدلّ على الخيرية المطلقة، فليس أحد أفضل ممن يعلّم القرآن أو يتعلّمه. ومن جانبٍ آخر، نؤسس لعمل صالح يرفع درجاتنا في الآخرة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما: «إن الله ليرفع العبد درجة في الجنّة، فيقول: يا ربّ أنى لي هذه؟ يقول: باستغفار ابنك لك»، ولن يكون هذا الاستغفار إلا من ولد صالح أدّبه القرآن، وهذا يؤسس للدخول تحت عموم قول النبي صلى الله عليه وسلّم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له». * كاتب وأكاديمي.