وسط نزوح يومي للمدنيين، وتعزيزات عسكرية تقف على أهبة الاستعداد لمعركة حلب، وقول مقاتلي المعارضة إنهم باتوا يسيطرون على نصف المدينة التي تعد العاصمة الاقتصادية لسورية وأكبر مدنها، يشحذ كل طرف قوته لمعارك ستكون دامية على الأرجح لإحكام السيطرة على هذه المدينة الاستراتيجية، بينما لا يغيب عن الصورة التطورات في دمشق والسيطرة على المعابر الحدودية وتأثيرها في ميزان القوى النهائي بين القوات النظامية وقوات المعارضة. ويرى محللون أن استراتيجية «الجيش السوري الحر» تكمن حالياً في توسيع جبهة القتال عبر مهاجمة مراكز حدودية في الشمال والشرق وعبر نقل العمليات العسكرية إلى دمشق وحلب اللتين تشكلان رمزاً لهيبة النظام، في محاولة لتشتيت قوات هذا النظام وإضعافه. ودفع الانفجار الذي استهدف وسط العاصمة السورية وأودى بحياة أربعة أمنيين من أركان النظام، والمعارك التي أعلنها الجيش الحر في العاصمة، السلطات السورية إلى إعادة نشر قواتها في العاصمة، ما ترك فراغاً أمنياً في مناطق أخرى تمكن المقاتلون المعارضون من الإفادة منه. ويقول الخبير العسكري البريطاني ومدير مؤسسة «آر31 للاستشارات» بول سميث لوكالة فرانس برس: «ما من شك في أنه كان على الحكومة تأمين العاصمة». ويرى أن «النظام أصبح من دون أدنى شك أكثر هشاشة، وهامش تحركه أصبح أضعف»، جازماً بأن «الوضع الآن يصب في مصلحة المتمردين». ويضيف: «لقد ارتفع مستوى العنف خلال الشهرين الأخيرين، واتسعت رقعته جغرافياً، وكذلك نوعية الأسلحة التي باتت الآن بحوزة المتمردين». ويبدي المحلل في «معهد دراسات الحرب» الأميركي جوزف هاليداي رأياً مشابهاً، مشيراً إلى أن إعادة الانتشار التي نفذتها القوات النظامية في دمشق جعلت النظام ضعيفاً في مختلف أنحاء البلاد. ويوضح: «هذا التقليص مكّن المتمردين من الاستيلاء على المعابر الحدودية» التي أعلنوا السيطرة عليها على الحدود التركية والعراقية. ويبدي اعتقاده بأن «النظام سيواصل الانكماش نحو الداخل في اتجاه دمشق، في حين سيوسع المتمردون سيطرتهم على الأطراف». ويشكك رياض قهوجي، مدير «معهد الشرق الأدنى والخليج للتحليلات العسكرية» (اينغما)، في قدرة النظام على حشد قواته، معتبراً أن «الوحدات ليست موالية كلها للنظام، وتلك الموالية صارت منهكة». وفي وقت وضع النظام كل ثقله لتأكيد سيطرته على العاصمة وحمايتها، انسحب المقاتلون المعارضون من دمشق وحشدوا «قوتهم الكاملة باتجاه حلب». ويوضح قهوجي أن «السيطرة على حلب بعد السيطرة على الحدود مع تركيا أمر منطقي، لأن المنطقة كلها مترابطة وقريبة من خطوط الإمداد وكذلك من مقرات القيادة التابعة للمتمردين على الحدود». ويضيف: «أعتقد أن الهدف من تحرك المتمردين الآن وضع فكرة المنطقة الآمنة موضع التطبيق، من خلال السيطرة على حلب وإدلب» (شمال غرب)، الأمر الذي يساعدهم على «مد سيطرتهم إلى المناطق الكردية التي بدأ أبناؤها بالتحرك أخيراً». في المقابل، يفضل الخبير العسكري في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن انطوني كوردسمان عدم إضفاء بعد استراتيجي وطني شامل على «تكتيكات آنية ومحلية تعتمدها خلايا متمردة متفرقة». ويقول: «لا نعرف صراحة ما إذا كانت السيطرة على حلب استراتيجية يتبعها أحد أكبر فصائل المتمردين (الجيش الحر)، أم مجرد رد فعل على النجاح في دمشق، أو إذا كانت حلب ببساطة تشكل هدفاً بديهياً لم يهاجمه المتمردون من قبل لأنهم كانوا أكثر ضعفاً أو غير مجهزين في شكل مناسب». في هذا الإطار، يحذر سميث أيضاً من أن النظام سيكون شرساً على الأرجح في القتال لمنع المقاتلين المعارضين من السيطرة على حلب أو أي مدينة كبرى مشابهة. ويضيف أن النظام «يجب أن يمنع المتمردين من أن تكون لهم بنغازي»، في إشارة إلى تحول بنغازي إلى معقل للثوار الليبيين ضد الزعيم الليبي معمر القذافي. ويرى أنه من المبكر الحديث عن فكرة إقامة منطقة آمنة بمحاذاة الحدود، واصفاً سيطرة المقاتلين المعارضين على معابر حدودية بأنها «رمزية» إلى حد كبير. ويجمع الخبراء على أن المقاتلين المعارضين يزدادون عدداً ويتطورون لناحية التسليح، في حين أن الجيش السوري النظامي «يتآكل» بسبب الانشقاقات، ومع اضطراره لخوض معارك جديدة. ويرى كوردسمان أن الاستراتيجيات المحلية للجيش السوري الحر يمكن أن تعمل لمصلحته، وتجعل من الصعب على الحكومة السورية وضع خطة شاملة للانتصار عليه. ويضيف: «هناك هجمات متطورة جداً، وأخرى فاشلة، أو تنطوي على أخطاء»، مشيراً إلى أن «كل فصيل (معارض) يمكن أن يتطلع إلى أهداف (مختلفة)، فإذا حقق هذا الهدف نجاحاً سياسياً أو عسكرياً، يمكن لمجموعات أخرى أن تتبعه». ويرى أن تحقيق المقاتلين المعارضين انتصاراً نهائياً سيكون ممكناً من خلال شن سلسلة هجمات مماثلة متفرقة، وتحديداً حيث يمكنهم أن يجروا القوات النظامية إلى رد فعل عنيف ضد المدنيين. ويوضح كوردسمان: «إذا استمر النظام في فقدان شعبيته، وإذا بدا أنه يفقد الثقة بقواته المسلحة، لن يكون المتمردون بحاجة إلى إلحاق هزيمة حاسمة بالقوات الحكومية». ويضيف: «ببساطة، عليهم حينها أن يخلقوا وضعاً تشعر فيه القيادة أنه من غير الممكن الدفاع عن بقائها (في السلطة)».