تعكس رواية «حياة مطمئنة» للروائي حسين القحطاني، التي صدرت عن دار جداول للنشر والترجمة والتوزيع، وحازت جائزة، عمقاً تاريخياً يخص منطقة الجنوب، ويضيء موروثها الثقافي والفني. واللافت أنها تقدم تأثيرات حيوية للقرن الأفريقي وشبه القارة الهندية واليمن على منطقة الجنوب. ويقول القحطاني في حوار مع «الحياة» إنه لم يشر في روايته إلى صراع مذهبي، بل تحول وتغيير. ولفت إلى أن القراء قرأوا الرواية كل بحسب فكره ومرئياته وتحليله. إلى نص الحوار. رواية «كانت مطمئنة» التي أصدرتها قبل مدة قصيرة آخذة في لفت الأنظار، ترى على ماذا ترتكز بنيتها وهويتها الفنية؟ رواية «كانت مطمئنة» تتناول حقبة زمنية مهمة في مناطق جنوب المملكة ومراحل التغيير والانتماء الفكري، وأيضاً طقوسهم وسلوكهم الاجتماعي. وتدور أحداثها في مجموعة من قرى الجنوب، من خلال شخصيات تمثل هوية المنطقة، وتتناول إضافة إلى ذلك الفكر الجديد الذي اعتنقه الناس بخاصة جيل الشباب، كما تتعمق الرواية في نمط التأثير في الجوانب المعيشية والثقافية لتلك المنطقة بالقرن الأفريقي وشبه القارة الهندية واليمن. وأعتقد أن الرواية جمعت مظاهر لفترات زمنية غابت عن أبناء المنطقة الجدد، وتعكس عمق التاريخ لهذه المنطقة وموروثها الثقافي والفني في أسلوب روائي سهل، يمكن أن تستوعبها جميع الشرائح العمرية، وهذا ما يميزها. هل كنت تتوقع أن تجد رواية «كانت مطمئنة» هذا الصدى؟ النص الجيد عادة يجد طريقه إلى النجاح. وما وجدته في وسائل الإعلام من اهتمام حقيقة سرني كثيراً، على رغم التناول المتفاوت والنقد المختلف بين مؤيد ومعارض لما تناولته الرواية في مضمونها، إذ ذهب البعض إلى أكثر مما كنت أتوقع، إلا أن ذلك يصب في مصلحة الرواية، فكلما كثر الحديث عن عمل وشُرح بشكل أكبر واختلف الطرح فيه فهذا يعني أن النص قد حقق هدفه. الرواية حصلت على أول تكريم لها بفوزها بجائزة جازان للإبداع الثقافي، ماذا يعني لك كون الرواية باكورة إنتاجك؟ حصول الرواية على جائزة الإبداع الثقافي في جازان أعتقد أنه شيء لم يكن أبداً يطرأ في مخيلتي، بخاصة في منطقة كجازان تزخر بأدباء ومثقفين، وأبناء المنطقة يعتبرون على قدر عالٍ من الثقافة والأدب، كما أنه في العام نفسه صدر عن عدد من مثقفي جازان عدد من الأعمال الأدبية بخاصة في الرواية، ونجاح «كانت مطمئنة» وفوزها بهذه الجائزة يعد تتويجاً لي وتقديراً لمستوى الرواية الفني والأدبي. على رغم أن الرواية ركزت على الصراع المذهبي إلا أنك تتحاشى الحديث عن ذلك فما السبب في ذلك؟ أنا لا أتحاشى ذلك، ولكنني لم أشر في الرواية إلى صراع، بل إلى تحول وتغيير، ومن استعرض الرواية بخاصة من النقاد لم يشر إلى صراع، ولم أجد كلمة الصراع سوى في عناوين بعض الصحف والمواقع الإلكترونية. وفي الحقيقة الكل يقرأ بحسب فكره ويفسر بحسب مرئياته وتحليله للرواية، وقد يكون هذا الاستنتاج جاء بناءً على ما ورد في الرواية من خلاف بين الغريب والشيخ صديق الذي درس المذهب الشافعي في اليمن، بينما الغريب الذي كان يحمل فكراً أكثر تشدداً منه، وقد طغى فكره على فكر صديق واستحوذ على عقول النشء، مما تسبب في إشكالات اجتماعية لأهالي تلك القرى التي تدور الرواية فيها. هناك من رأى أنك كنت قاسياً ومتشائماً في بعض مشاهد الرواية؟ هذه وجهة نظر أحترمها، علماً بأن مشاهد القسوة موجودة فعلاً في الرواية، ولكن وصف المبالغة المفرطة ليس منطقياً، فشخصية جبران في الرواية التي تناولها بعض النقاد على أنها شر مفرط ليس عدلاً، إذ إن مجتمعنا اليوم يعج بمن هم أكثر شراً وحقداً من جبران. وفي الرواية وجد جبران ليسلط الضوء على مزاجية الرجل في مجتمعنا وتناقضه تجاه محيطه بخاصة العنصر النسائي في أسرته، فتراه مستبداً عليهم، بينما يكون منفتحاً متسامحاً مع الآخرين شريطة ألا تمس خصوصيته، وهذه شخصية نلامسها كثيراً في المجتمع. فجبران وهو أحد أبطال الرواية، الذي تعامل مع إخوته بعنفوان منقطع النظير. وفي الجانب الآخر يظهر جبران كحمل وديع أمام شهوته تجاه مريم في صورة متناقضة، مما يعكس التعاطي الذكوري مع المرأة في المجتمع، مرة وهي جزء من أسرته وكيانه العائلي، والأخرى في تلك التي يمكن أن يمنحها كل الفرص والحقوق وتقديم صورة الوعي الاجتماعي تجاهها، والسبب أنها لا تمثل المحيط الملتصق به. وعلى رغم جبروت جبران إلا أن الفكر الذي كان سائداً في زمن الرواية يحمل فسحة في إعطاء النساء قدرة على التحرك والمشاركة في الطقوس والحياة، إذ كان جبران والمجتمع يلتزم به، بل يعتني ويتفنن في صياغته كجزء من السياق الاجتماعي لأهل القرى التي دارت الرواية في أحضانها. من قرأ الرواية وجد أنك لم تلتزم بالقوانين المرعية في النص الروائي، ويظهر ذلك بوضوح في نهايتها، فما تفسيرك لهذا؟ نعم، لقد ختمت الرواية بطريقة هي الأسلم، لتقوم بالتعبير الحقيقي عن معطيات الرواية، من خلال ما آلت إليه شخصيات الرواية، والذين يمثلون في واقع الأمر الرواية نفسها وأبطالها الذين جسدوا أدوارها، ظروفها، وقضيتها. ورأيت من وجهة نظري أن هذا هو الأسلوب الأصلح لرواية «كانت مطمئنة»، بل والأقرب إلى القارئ الذي يبحث عن روح التأثير في المجتمع بسبب التغيير، ولابد أن يعرف ماذا حلّ بالناس الذين عاشوا لحظات التغيير في السلوك والفكر والحياة الاجتماعية، ولو أنني ختمتها بطريقة أخرى لما ظهرت الرواية بهذا المستوى، بل و ربما تشعب وتشتت ارتباط القارئ بأحداث الرواية. وإذا بحثت في حقيقة الكثير من الروايات التي حققت نجاحاً كبيراً، تجد أن كتابها كانوا يبتكرون أساليب جديدة تعكس لهم حبكتها وما أرادوه، كما أن النص الروائي يكمن نجاحه في الطرح، القدرة على جذب القارئ، امتلاك الفكرة، والتمكن من امتلاك القارئ وأسره في حبها، كي يستطيع أن يتعايش معها. وصدقني إن الرواية الناجحة هي التي تجد طريقها لشريحة كبيرة، وليست تلك التي تلتزم بالقواعد وتسقط العناصر الأخرى. فالنص المميز هو الذي يحقق أكبر قدراً من القراء. كيف ترى مستوى التعاون مع دور النشر؟ دور النشر تقدم نفسها للكاتب على أنها جهة مغامرة، وبمعنى آخر أنها متفضلة بقبول الأعمال، ولذا فنحن نقبل كل الاشتراطات والقوانين التي تفرضها دور النشر ومن دون تردد، لأنه لا سبيل لنا غيرها. وعلى رغم أن هناك إجحافاً في حق المؤلف، إلا أننا قد نجد شيئاً من العذر للناشر بخاصة في عالمنا العربي وما تعانيه دور النشر من إشكالات قد تجعلها مغامرة كما يدّعون، إلا أنني أرى أنه لا بد لبعض الأمور أن تكون أكثر وضوحاً، كمعرفة كمية المبيعات وتحديد مستوى التوزيع وكمية ما طُبع من الكتاب، فمعظم دور النشر التي نتعامل معها تمتنع عن تقديم معلومات من هذا النوع للمؤلف، مما يضع المؤلف في حيرة تجاه معرفة مستوى نجاح مؤلفه ومبيعاته.