في مبنى تحوّل الى ثكنة عسكرية للمعارضة في ريف حماة، يقدم ابو حنا، المتمرّد المسيحي "منذ عام 1970"، النصائح لمسلحي المعارضة السنّة. ومع ان الطرفين يحاولان اظهار الود لبعضهما البعض، الا ان التصنّع يبقى ظاهراً في تصرفاتهما. بصوت محشرج بسبب السجائر التي يدخنها بشراهة وببساطة ماكرة محببة يقول ابو حنا وهو مسيحي سوري في الستين من العمر "انا متمرد منذ 1970" مع تولي حافظ الاسد، والد الرئيس الحالي، السلطة. وفي المنطقة الريفية الخلابة المحيطة بمدينة حماة يقدم ابو حنا "النصائح" لنحو 30 معارضا مسلحا في مبنى يجسد خصائص كل معاقل حركة التمرد من قذارة وفوضى عارمة وتكدس للمقاتلين وللاسلحة والذخيرة التي تمتلىء بها ارجائه. وفي الساعة الحادية عشرة يظهر ابو حنا بشاربه الكثيف وحجمه الصغير ليوقظ المعارضين الذين بدت على وجوههم اثار التعب نتيجة السهر حتى الفجر في شهر الصيام فيقول له احدهم متعجبا "كيف تصحو في هذا الوقت!" ليرد عليه هذا المعلم السابق للغة الانكليزية مبتسما "انا مسيحي ولا اصوم رمضان". ويوضح ابو حنا وهو اسم مستعار اتخذه لاسباب امنية "انا ضد الديكتاتوريات العسكرية. انا ناشط سياسي". ويؤكد ابو حنا انه "شارك في الثورة منذ اذار/مارس 2011" موضحا "في البداية كنا نتظاهر سلميا. لكنهم كانوا يطلقون علينا النار. ماذا كان امامنا سوى حمل السلاح؟". وسرعان ما يستدرك قائلا "انا لست مقاتلا. فقد اصبحت اكبر سنا من ان استطيع ذلك، ولدي احفاد!". ويوضح ان دوره يتمثل في تقديم النصح قائلا "انا اوجه الثوار واقدم لهم النصائح. معظمهم شبان بلا خبرة في الحياة وفي حاجة لمن يرشدهم. وبدون التوجيه والنصح يمكن ان يرتكبوا افعالا سيئة". وردا على سؤال عن ماهية هذه "الافعال السيئة" يلزم ابو حنا الصمت قبل ان يجيب "لا شيء محدد. يمكن مثلا ان يتقاتلوا فيما بينهم". وقد جلب عليه نشاطه السياسي المتاعب في عهدي الاسد الاب والابن: اعتقالات واستجوابات لكن كل مرة كان يخلى سبيله لكونه مسيحي الذي يمنحه نوعا من الحماية ويقول "لم اتعرض للتعذيب. اليوم يبحثون عني لقتلي والقاء التهمة على الثوار. لقد حاولوا ذلك مرتين بالفعل". حتى عائلته التي بقيت في المدينة الخاضعة لسيطرة القوات النظامية لم تتعرض لاي اضطهاد او مضايقات خلافا لما تتعرض له اسر المعارضين السنة الذين يشكلون غالبية السكان (80%) وبالتاكيد ايضا غالبية المعارضين. ويقول ابو حنا ان "النظام يحرص بشدة على عدم اعتقال المسيحيين واظهار انهم يدعمونه. يريدون ان يظهروا ان كل المتمردين سنة. لذلك يقتلون المتمردين المسيحيين ويتهمون المجموعات الارهابية بقتلهم". ويؤكد انه "حتى وان كانت الاغلبية المسيحية بقيت بعيدة عن المعارك فذلك بسبب كونها اقلية (ما بين 5% و7% من السكان) ولخوفها من التعرض للذبح لكنهم لا يدعمون الاسد. انهم فقط يشعرون بالخوف. لكن هناك شبانا مسيحيين يقاتلون النظام في حماة وحلب وحمص". اما بالنسبة للمقاتلين السنة "فهم سعداء باظهار ان ثورتهم ليست حربا طائفية" كما يقول ابو حنا. ويرد قائد مجموعة المقاتلين ويدعى ابو محمد "هو مسيحي لكن لا فرق بين المسلمين والمسيحيين بالنسبة للثوار". ويضيف ابو عمر وهو اخواني ذو لحية حمراء طويلة ان "المسلمين والمسيحيين اخوة وسنبني معا سورية الجديدة" وهو يعانق ابو حنا في مشهد يبدو متصنعا الى حد. ويرد ابو حنا التحية "السلفيون اناس مسالمون. قد يبدون جهلاء لكنهم اناس طيبون اعني في سورية ولا اتحدث عن القاعدة فهناك فارق كبير". ولابو حنا بالفعل تصوره بالنسبة للمستقبل "بعد انتصار الثورة بستة اشهر ستجرى انتخابات ديموقراطية. ساصبح عضوا في البرلمان وساعمل على قطع العلاقات الاقتصادية مع روسيا" التي تقدم السلاح للنظام.