الحملة السورية - الإيرانية على الأردن لموقفه الإيجابي من الثورة السورية تدفع الأردن إلى تشديد موقفه حيال ما يجري على حدود جارته الشمالية، ولا تؤدي تلك الحملة، على ما يبدو، إلى تخويفه كما يُراد لها أن تفعل. فبعد أن أكد رئيس الوزراء الأردني فايز الطراونة قبل أقل من أسبوعين لدى لقائه مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والأفريقية، حسين أمير عبد اللهيان، موقف الأردن الثابت تجاه الأزمة السورية والداعي لحل الأزمة بالطرق السلمية والحوار ودعم خطة مبعوث الأممالمتحدة والجامعة العربية كوفي أنان، معرباً عن الأمل بدور إيراني إيجابي يسعى لترسيخ الأمن والاستقرار الإقليمي، عاد الطراونة مع اشتداد الحملة السورية - الإيرانية وتفاقم الأوضاع الإنسانية في سورية جراء دموية النظام في التريمسة وغيرها، إلى التشدد في موقف حكومته مما يجري في سورية، والذي تجلى في إعلان رئيس الوزراء قبل أيام أن «الأزمة السورية لا يمكن أن تحل من طريق الحوار، وقد جاء الوقت ليتخذ مجلس الأمن الدولي موقفاً حاسماً». الطراونة قال بعد لقاء جمعه مع نظيره التشيخي بيتر نيكاس في براغ: «لا يمكن اليوم حل الأزمة السورية من طريق الحوار. ولكننا نستمر في الحديث عن الطرق الديبلوماسية لحل الأزمة. فمن الضروري قبل كل شيء وقف إراقة الدماء وبعد ذلك إيجاد حلول وسط بين المعارضة والنظام السوري». وأشار الطراونة قائلاً: «يجب الضغط بقوة على الحكومة السورية». ارتفاع منسوب التشدد في الموقف الأردني له ما يبرره ويمكن اختصار ذلك كالتالي: أولاً، بعد أن قال الطراونة لدى لقائه في عمّان حسين أمير عبد اللهيان إن الأردن مهتم بتطوير علاقاته مع إيران على أساس من الاحترام المتبادل، تفاجأت عمّان باتهام رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية قبل أيام كلاً من تركيا والأردن بالسماح بتسلل «الإرهابيين» الذين يزعزعون استقرار سورية، وقال المسؤول الإيراني إن «على تركيا والأردن أن يغلقا حدوديهما أمام الإرهابيين»، في إشارة إلى عشرات آلاف اللاجئين وبعض المعارضين السوريين. ثانياً، الأردن لا يتجاهل أهمية التغيّر في الموقف العراقي من الحدث السوري، وهو تغيّر أوضحته بجلاء تصريحات وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري لصحيفة «عكاظ» السعودية (15/7/2012) التي قال فيها إن نظام بشار الأسد « شارف على الانهيار» والمعارضة توسّع سيطرتها على الأرض، ولم يعد السوريون يثقون بمزاعم بشار الإصلاحية. زيباري أضاف أيضاً أن انشقاق سفير سورية في بغداد نواف فارس قد يكون فاتحة لانشقاقات أوسع نطاقاً وأشد إيلاماً للنظام. ثالثاً، الأردن ليس معزولاً عن تحالفاته الخليجية، وهو أقرب إلى موقف دول «مجلس التعاون» الرافض لمحاولات إيران مؤخرا إقحام المسألة السورية والوضع في البحرين في المحادثات النووية بين إيران والقوى الكبرى. رابعاً، لا تقتصر الرؤية الأردنية على التصريحات الإعلامية والسياسية بل ثمة احترازات ميدانية على الأرض، حيث ذكرت تقارير إعلامية عن فرض الجيش الأردني حالة طوارئ بين صفوفه خصوصاً في القطاعات العسكرية التابعة لقيادة الشمال الموازية لحدود سورية. ووفق تلك التقارير فإن الجيش كثف دورياته بشكل ملحوظ على الحدود وحد كثيراً من منح الإجازات للضباط والأفراد. وتأتي حالة الطوارئ بعد ارتفاع حالات التحرش التي يقوم فيها الجيش السوري بحرس الحدود الأردني فيما أفادت معلومات نقلتها صحيفة «المدينة» السعودية أن السلطات الأردنية تراقب الحدود مع سورية تحسباً من تسلل عدد من عناصر المخابرات السورية عبر الحدود الأردنية ضمن اللاجئين السوريين، بعد أن ألقت السلطات الأمنية الأردنية مؤخراً القبض على عدد منهم. يقلق الأردن من أن يأخذ النزاع السوري بعداً طائفياً، ما يعني إطالة مدة ومدى هذا النزاع، لهذا ترى عمّان أنّ «تطييف» الصراع في سورية ليس مصلحة أردنية، لأن من شأن ذلك نقل هذا الصراع إلى الدائرة الإقليمية، ولن يكون الأردن بمنأى عن اضطراره مجبراً على الانخراط في أتون صراع لا يريده (ولا تريده دول الخليج وتركيا أيضاً)، بل سعى طيلة أكثر من سنة لاتخاذ الكثير من المواقف الرمادية، تحت عنوان أولوية الحل السياسي، ومرت رهاناته السياسية تجاه الحدث السوري بالكثير من الارتباكات والانزياحات والغموض في محاولة دائمة لتجنب البقاء رهينة مشاكل جيرانه، لا سيما أن مشكلة جاره الشمالي تبدو اليوم أكثر تعقيداً. ولعل مما لا يتطرق إليه كثير من المراقبين أن هذا الأمر وما يثيره من هواجس لدى الأردنيين يفسر جزئياً محدودية الحراك الشعبي في الأردن. * كاتب أردني