«اخترقت حاسوباً من نوع «فاكز» Vax (اختصاراً لمصطلح Virtual Address eXtension) الذي ابتكرته شركة «دي إي سي» في السبعينات من القرن الماضي. واحتوى هذا الكومبيوتر على جداول الرواتب لإحدى كبريات الشركات العالمية وسيطرتُ عليه تماماً. كانت تلك إحدى أهم اللحظات في رحلتي إلى العالم الإلكتروني المظلم الغامض. شاركتُ زميلي اكتشافي الجديد. ووجدنا أن تحويل الأموال عبر الحاسوب إلى حساباتنا المصرفية، أمر في منتهى السهولة. قررنا عدم القيام به. كنا نستكشف حباً بالمعرفة وليس طمعاً بالربح المادي. كانت هذه العملية، إضافة إلى نجاح مجموعة من ال «هاكرز» اسمها «لود» LOD (اختصاراً لتسمية Legion Of Doom وترجمتها حرفياً «فيلق المصير المحتم») في السيطرة على مجمل البنية التحتية لعالم الاتصالات، إشارة إلى انتصارنا في الحرب، بعد أن احكمنا سيطرتنا على مجمل الشبكات الإلكترونية المستخدمة حينها». ليست الكلمات السابقة اقتباساً من رواية خيالية، بل حدثاً واقعياً من عالم الشبكات الإلكترونية الأولى، سرده ل «الحياة» هاكر عتيق اسمه لويد بلانكنشيب الملقب ب «المعلّم». زيف الحكومات وبراءة الهاكرز كتب بلانكنشيب عام 1986 وثيقة سمّاها «ضمير الهاكر»، عُرِفَت لاحقاً باسم «مانيفستو الهاكر» Hacker Manifesto، ولم يزد عمره حينها عن ال21 سنة. وعزا هذا الهاكر الأميركي كتابته «ضمير الهاكر» في تلك الفترة إلى حال الإحباط التي كان يعيشها، إضافة إلى الغرور لشعوره بأنه نابغة ومتميّز عن بقية الناس في تلك الحقبة. وكان هذا الإحباط يزداد كلما ورد خبر عن توقيف مراهقين مرتبطين «بجريمة كومبيوتر» أو توقيف «هاكر تلاعب بمصرف»، ما دفعه إلى دعوة الناس إلى «دخول عالمه» وفهم ما يقوم به. وشرح بلانكنشيب أن «جريمة الهاكر هي حب الفضول والحكم على الناس على أساس أقوالهم وأفكارهم، وليس بحسب مظهرهم الخارجي أو دينهم أو جنسيتهم». ثم كال سيلاً من الاتهامات إلى الحكومات قائلاً: «انتم تقتلون، تغشون، تكذبون، تصنعون القنابل النووية، وتخوضون الحروب لتجعلونا نصدق أن الأمر لمصلحتنا، ومع ذلك تقولون أننا نحن المجرمون»! وعن مدى توقعه أن يكسب «مانيفستو الهاكر» شهرة واسعة، قال بلانكنشيب: «تفاجأت برد الفعل الإيجابي من قبل الرأي العام»، موضحاً انه قصد توجيه النص إلى «حلقة صغيرة من الأصدقاء والهاكرز من جمهور المنتديات الإلكترونية الهاتفية التي سبقت نشوء الإنترنت». ومع مرور الوقت، انتشر المانيفستو بطريقة جنونية ليصبح نصاً أساسياً في تاريخ المعلوماتية. وفي المانيفستو، بيّن بلانكنشيب أن إعجابه بالحاسوب يتأتى مما تعطيه هذه الآلة من فرص لاغتراف المعرفة. وعندما كان في المدرسة، كان يقضي بين 30 و 40 ساعة أسبوعياً على حاسوبه بسبب مشكلة الأرق المزمنة لديه. وأصبح يقضي الليل أمام شاشة الحاسوب. ورأى بلانكنشيب أن الحاسوب كان مكاناً للابتعاد من المشاكل اليومية، ما جعله ينخرط في مظهر أول للتواصل الاجتماعي عبر الشبكة. وقال: «هذا هو المكان الذي انتمي إليه... أنا اعرف الجميع هنا... حتى لو لم أقابلهم في حياتي». حرب مفتوحة على الجبهة الإلكترونية يعمل بلانكنشيب حالياً مهندساً لبرمجيات أمنية في شركة فضّل عدم الإفصاح عن اسمها، مشيراً إلى وجود «صراع عالمي من أجل الحريات»، وأنه يعتبر الجبهة الإلكترونية جزءاً من هذا الصراع. وأوضح أن الإنترنت، بطبيعته لامركزي ودائم التغيّر، كما يضمّ مخزوناً هائلاً من القوة الذهنية الجاهزة للردّ على محاولات القمع والرقابة. وجعلت هذه الأمور من الإنترنت أحد الأماكن القليلة التي تخسر فيها الحكومات والشركات معارك السيطرة وتقييد الحريات. وتعليقاً، على تسريبات ويكيليكس، تحدث بلانكنشيب عن ضرورة «قول الحقيقة في وجه القوة،» وذكر ب «التاريخ الطويل لمسربي المعلومات الذين يقومون بعمل عظيم، إذ إن الوقوف منفرداً في وجه الشركات والحكومات يتطلب إرادة صلبة ووعياً بأن ما يقوم به، حتى لو كان عملاً صالحاً، قد يدمّر حياته». ورداً على سؤال حول كيفية المساهمة على المستوى الفردي في حماية الحريات على الإنترنت، أفاد بلانكنشيب بأن التبرع لجمعيات ومؤسسات، مثل «مؤسسة الجبهة الإلكترونية»، يشكّل مساهمة قيّمة في الحفاظ على الحريات الإلكترونية.