مع بزوغ فجر عيد الفطر وإشراق شمسه، يخالف الكثير من آباء وأجداد منطقة الحجاز العمر، راجعين أعواماً سلفاً ل «يُنِيخوا» ركاب أفكارهم عند طفولتهم أثناء العيد، وما تحمله تلك الأيام من ذكريات جميلة تصطحب معها حقيقة الروعة والمتعة، متمنين لو أن أبناءهم من الجيل الحالي عاشوا تلك الأعياد، ليشاهدوا العادات القديمة ويستمتعوا بالألعاب البسيطة المبتكرة والمفعمة بالحيوية والنشاط مع أبناء حارتهم وأقاربهم. وعلى رغم تعدد أجهزة التقنية الإلكترونية التي باتت بأيدي الأطفال هذه الأيام، كأجهزة «السوني والبلايستيشن والآيباد والأيبود والوي»، التي تعد جميعها وسيلة لعب يتسلى بها الأبرياء لتمضية وقتهم، إلا أنها لا تقارن عند الآباء بلعبة «السقيطة والكبت والبربر والليري والعزيزة والفرفيرة والمدوان» التي تعتمد بعضها على الحصى وبعضها الآخر على الحجارة والعصيان، ومع ذلك فهي تعد أشهر الألعاب في زمنهم. وتمشياً مع هذه المفاهيم، تحدثت «الحياة» إلى عدد من الذين عاصروا أجواء المتعة والمرح، فوصف ماهر نوري (45 عاماً) أجواء العيد في مكةالمكرمة بعد انتهائهم من تأدية الصلاة في الحرم الشريف: «كنا نخرج من الحرم ونتجه إلى الحارة لنعبر عن فرحتنا بالعيد بلعبة «الطراطيع» ونجتمع بعدها عند «المدريهة» للعب وهي عبارة عن مجموعة من الألعاب مصنوعة من الخشب، بمثابة الملاهي في الوقت الحالي، ونشاهد أيضاً لعبة المزمار الشعبية عند عمدة الحي». وعدد نوري مجموعة من الألعاب التي اعتاد ممارستها في صغره أيام العيد وحُرم منها أبناء جيل اليوم ك«المدوان» التي هي عبارة عن قطعة خشب حلزونية في مؤخرتها قطعة معدنية صغيرة ملفوفة بخيط، و«الفرفيرة» لعبة كرة على الطاولة مكونة من فريقين، وكذلك «البربر» التي تعتمد على رسم مربعات على الأرض ويستخدم فيها الحصى. أما خالد أحمد (60 عاماً)، فتمنى لو يرجع به الزمن ومعه أبناؤه ليرى على وجوههم الابتسامة الحقيقة المنبثقة من روح الحب والتعاون، ويقول: «كان الحب يجمعنا أيام العيد نحن وأبناء أقاربنا وأبناء حارتنا، نلهو من دون ملل، إذ كانت ألعابنا تعتمد على الحركة والنشاط على عكس ما يمارسه أبناؤنا الآن من الجلوس أمام الشاشات للعب بأجهزة البلايستيشن والسوني من دون أي حراك، حتى إنهم قد لا يتلفظون بأي كلمة على عكس ما كنا نقوم به من ضحك بأصوات مرتفعة مختلطة ببعض الصرخات والصخب بسبب الخسارة». وعاد خالد بذاكرته إلى الألعاب القديمة التي كان يمارسها أيام العيد: «هناك «الكبت» التي ينقسم فيها اللاعبون إلى فريقين وبينهما خط ترابي فيخرج أحد اللاعبين محاولاً لمس أحد من خصمه فحينها يضطر الخصم محاولاً الإمساك به، و«الليري» التي تتكون من عصاتين إحداهما طويلة والأخرى قصيرة، و«العزيزة» وهي تعتمد على البحث عن شيء مفقود، و«السقيطة» التي تستخدم فيها خمسة أحجار يتفنن اللاعب في طريقة التقاطها. وعلى نسق من سبقوها حديثاً إلى «الحياة»، تؤكد الجدة «أم عبد الرحمن» أن الأعياد حالياً بلا هوية حقيقية، فقد كان للعب والألعاب طعم مميز لا يقارن بألعاب أبناء هذا الجيل الذي يتحصل على ما يريده في أي وقت، إذ كان الأطفال في السابق يجمعون العيدية كل العام ليتمكنوا من شراء لعبة واحدة، وتضيف: «كنا لا نرى «المرديهة» (وتعني الآن الملاهي) إلا في الأعياد، بينما أبناؤنا يذهبون إلى الملاهي على مدار السنة فأصبحوا لا يفرقون بين عيد وغيره» وعلى رغم صغر سن «أم عبدالعزيز» البالغة من العمر 32 عاماً، إلا أنها تجد فرقاً شاسعاً بين العيد في صغرها عن الآن، وتتابع: «كنت أفرح جداً بشراء «دميتي» في يوم العيد، وأشتاق للذهاب إلى الملاهي، لأننا اعتدنا الذاهب إليها في الأعياد بصحبة أطفال العائلة، كما كنا نجتمع سوياً في المنزل ونجري ألعاباً عدة أحاول بعض الأحيان صنعها إلى بناتي ك«الغميضة» و«طاق طاق طاقية» و«شد الحبل» و«فتاحي يا وردة» و«واحد طش» و«شبره أمره» وهي مجموعة من الألعاب توارثناها عن آبائنا»، وتسترسل أم عبدالعزيز في حديثها عن هذا النوع من الألعاب بأنها تجمع وتؤلف بين الإخوة والأقارب على عكس ما تحدثه الإلكترونيات من سرقة أوقات الأبناء حتى في أسعد اللحظات كمناسبة العيد، إذ تجد كل طفل حاملاً بيديه جهازاً إلكترونياص ولا يشعر بمن حوله.