عاد الممثل اللبناني بديع أبو شقرا من كندا للمشاركة في بعض المسلسلات التي عُرِضت عليه وأعجبته. ابتعاده عن وطنه لم يبعده عن أذهان المنتجين والمخرجين فصوّر منذ فترة مسلسل «الرؤيا الثالثة» الذي كتبه طوني شمعون وأخرجه نبيل لبّس وأنتجته شركة «آروز بروداكشن». شارك أيضاً في مسلسل «الغالبون» من خلال دور صغير، ثمّ صوّر مسلسل «لولا الحب» من كتابة كلود صليبا وإخراج إيلي حبيب وإنتاج «مروى غروب»، كما بدأ بتصوير مشاهده في مسلسل «شوارع الذل» من كتابة فيفيان أنطونيوس ولورا خبّاز ومن إخراج وإنتاج إيلي معلوف. بعد انتهاء عمله في هذه المسلسلات يسافر أبو شقرا إلى كندا للمشاركة في بطولة فيلم كندي مستقل حيث أتيحت أمامه الفرصة كي يلعب للمرة الأولى دوراً أساسياً في فيلم مماثل. إلى أي مدى يعتبر بديع أنّ حضوره على الساحة التمثيلية كان قوياً لدرجة أن ابتعاده عن العين لم يجعله بعيداً عن القلب أو عن الأذهان؟ «لا أؤمن بأنّ الممثل يجب ألاّ يبتعد عن العين وأنّ عليه أن يبقى حاضراً على الشاشة كي لا ينساه الجمهور، فالممثل يجب أن يطل على الشاشة كقيمة فنية وليس كنجمٍ مشهور»، يقول أبو شقرا قبل أن يعترف بأنه فوجئ بالعروض التي تلقّاها للعب أدوار بطولةٍ في مسلسلات لبنانية بعد غياب تام طيلة ثلاثة أعوام ونصف. بديع يرى أنّ الساحة الدرامية اللبنانية تفتقر اليوم إلى نجوم ونجمات من جيل الشباب معتبراً أنّ المخرجين والمنتجين لم يركّزوا في شكلٍ كافٍ على خلق نجمٍ شاب أو نجمة شابّة، وزاد الطين بلّة تخلّي فئة كبيرة من المثقفين عن التلفزيون وتوجّههم نحو المسرح، ما أبعد الدراما عن إمكان التقدّم الملموس وساهم في خفض مستواها. «مشكلة الدراما عندنا اليوم أنّها لا تحاكي بيئتنا ولا تشبه واقعنا وهذا ما يمنعنا من تحقيق النجاح الذي نستحقه»، يقول. لكن ألا يمكن أن نستغرب أنّ بديع، على رغم ملاحظته لكل تلك الثغر في الدراما اللبنانية، ترك كندا وأتى إلى لبنان ليشارك في أربعة مسلسلات لبنانية؟ هل يعني ذلك أنّه يقدّم تنازلات ويشارك في أعمال لا تبلغ المستوى الذي يطمح إليه؟ يسارع إلى الإجابة: «ما مِن عمل تلفزيوني في لبنان يصل إلى المستوى الذي نطمح إليه، لكن ذلك لا يعني أنّ علينا الوقوف بعيداً لنتفرّج على ما يحصل بل علينا أن نهجم ونشارك في هذه الأعمال ونسعى معاً لنرفع مستواها». ويشدد بديع على ضرورة أن يتساند جميع العاملين في قطاع الدراما ضد «الموضة» و «الصرعة» التي تجرف كل ما أمامها وتحوّل المعالجة العميقة في النصوص الدرامية إلى معالجة بحسب «ما يطلبه المشاهدون»! ما العلامة التي يضعها على عشرة للدراما اللبنانية؟ يجيب: «خمسة على عشرة». ويلفت إلى أنّ هذه العلامة تعبّر عن المستوى العام للدراما كما يراه، ولا تعبّر بأي شكلٍ عن مستوى العاملين في الدراما. «أعرف أن المخرج يصل إلى موقع التصوير برؤية رائعة وتصوّر مبدع للمشاهد، لكنّه لا يتمكّن من تحقيق أكثر من عشرين في المئة من رؤيته، وأدرك أنّ الممثل يصل جاهزاً تماماً لدوره، لكنّه حين يرحل يسأل نفسه في أحيان كثيرة: لماذا بدوتُ مصطنعاً وغريباً؟ إذاً القدرات موجودة عندنا، لكنّ خلطها مع بعضها لا يأتي دائماً متجانساً، تماماً كما هي الحال في مجتمعنا». ويشبّه الجو العام بطبّاخ أتى بأفضل أنواع الخضر ولكن حين مزجها لم يحصل على سَلَطة لذيذة. حين نقول له إنّ الجمهور يبدو أنّه يستسيغ طعم تلك «الخلطة» ولا مشكلة لديه في «تناولها» يجيب بأن الجمهور، بدأ يعاني من «سوسة» تنخر المقاييس الصحيحة لديه للحكم على العمل الفني، فهم يقبلون بما يُقدّم لهم ويعتبرونه جيداً لأنّهم لم يرَوا بعد أعمالاً جيّدة عن حق كي يجعلوا منها مقياساً. «شعبنا شعب الصرعات، صرعة تأخذه يميناً وأخرى تقذفه يساراً، بدءاً بالهاتف الخليوي وأشكاله، وصولاً إلى موضة المسلسلات التركية»، يقول بديع. ما الحل؟ «أعتقد بأنه يكمن في كتابة سيناريوات تعكس واقعنا، فنحن بحاجة إلى عملٍ نشعر عند مشاهدته أنّنا نقف في الشارع بين أشخاص حقيقيين وواقعيين وعندها فقط يمكن أن نخترق كما يجب». ما وصلت إليه الدراما اللبنانية اليوم لا يعتبره بديع اختراقاً، «فالاختراق ليس أن نذهب إلى البلدان العربية ونعمل وفق رؤيتهم وخلطتهم، بل أن نجعلهم يأتون إلينا ويطلبون ما نقدّمه، بحسب طريقتنا». هل يرى أنّ ذلك قد يتحقق قريباً أو ينظر إلى الواقع بتشاؤم؟ «التشاؤم عندي ليس من الدراما، بل من وضع البلد الذي ينعكس على الدراما وعلى كل أنواع الفنون، ولكن على رغم كل هذا لن أستسلم ولن أنسحب وسأظل أناضل في الساحة الدرامية متحمّلاً ما يقع على عاتقي من مسؤوليةٍ كممثل».