على رغم مرور عشر سنين على رحيل المخرج المصري المبدع رضوان الكاشف، شاعر السينما المصرية وساحر جماليات الاختلاف، وصاحب الفتوحات الفنية المهمة في قصائده السينمائية مثل «ليه يا بنفسج» (1992) و «عرق البلح» (1998) و «الساحر» (2002)، فإن مكانة الكاشف الفنية لا تزال شاغرة ولم يشغلها أحد بعد. لقد كان عرض فيلم «ليه يا بنفسج» في أوائل التسعينات من القرن الفائت إعلاناً عن مولد نجم جديد وكبير في السينما المصرية وخليفة منتظر لكبار مخرجي وعلامات هذه السينما. والحقيقة أن الكاشف بدا متميزاً منذ ما قبل ذلك حين كان يكتب في النقد السينمائي ويناضل في سبيل القضايا الكبيرة. أما مع بدء ظهور أعماله فقد عقد الكثير من الآمال والأحلام على هذا المخرج المجدد برؤى شاعرية وعبر تيار سحري جديد يثري فضاء السينما المصرية؛ وكان هذا واضحاً منذ «ليه يا بنفسج» حيث أن هذا الفيلم كشف عن شاعرية كانت جديدة على السينما المصرية. ومن خلاله بدا الكاشف ناضجاً بما فيه الكفاية ممتلكاً أدواته ومهاراته التقنية وجمالياته ورؤاه الفنية. وأطلق العنان لنفسه كي يظهر قدراته الفنية الكبيرة بلا حدود معبراً عن أحلام وآمال البسطاء عبر سحر الأطياف. وتشجع بقوة على البدء الفعلي لتحقيق مشروعه السينمائي الكبير الذي كان يحلم به طويلاً، وخوض تجربة إخراج الأفلام الروائية الطويلة بعد إخراج عدد من الأفلام التسجيلية الجميلة وبعد العمل كمساعد مخرج لعدد من كبار مخرجي السينما المصرية. مهما يكن فإن رضوان الكاشف،الذي خطفه الموت مبكراً قبل أن يكمل مشروعه الفني والجمالي والإبداعي المتميز، يعد وبكل بساطة، امتداداً واضحاً لجيل عمالقة الواقعية في السينما المصرية وأعني تحديداً جيل الآباء المؤسسين أمثال صلاح أبو سيف وكمال الشيخ وهنري بركات ويوسف شاهين وتوفيق صالح وأيضاً لعمالقة جيل الثمانينات من أمثال خيري بشارة ومحمد خان وعاطف الطيب وداوود عبد السيد وكذلك زميلاً لعدد من المخرجين المبدعين من جيله أمثال يسري نصر الله وأسامة فوزي من جيل التسعينات في السينما المصرية. ويأتي تفرد هذا المخرج من تمتعه بروافد فنية وثقافية وذاتية عدة. كان من بينها أصله الصعيدي الأصيل (من سوهاج بلد الكبير الآخر عاطف الطيب)، ودراسته الفلسفة وعلم الجمال في قسم الفلسفة في كلية الآداب جامعة القاهرة، وقد ألف من خلال دراسته هذه كتابين أحدهما عن خطيب الثورة العرابية عبدالله النديم والثاني عن فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة المفكر الدكتور زكي نجيب محمود. ولنضف إلى روافد الكاشف هنا، رؤيته الثورية الدافقة وانتمائه السياسي والفكري وحسه اليساري وحبه وعشقه للطبقات الشعبية والوافدة والمهشمة التي جاء من بينها وعبّر عنها بصدق شعوري دافق؛ فهو في القاهرة ابن حي السيدة زينب الشعبي، ومنه استقى إحساسه الجمالي العالي بلغة الصورة ودقته في إخراج شريط الصوت ورغبته العارمة في إظهار الجمال وسط القبح الحياتي والسياسي الذي كانت تحياها مصر في عهدي الرئيسين السابقين أنور السادات وحسني مبارك. وفي هذا الإطار يأتي اعتقاله بسبب انتمائه السياسي المخالف لنظامي حكم السادات ومبارك. ويعتبر الكاشف من مخرجي تيار سينما المؤلف. وكان في سينماه يختلط الألم الاجتماعي بالهمس السياسي بالحس الجمالي - وتحديداً في أفلامه الروائية الطويلة - كاشفاً عن عدد من الأدران والحقائق المؤلمة التي عانى منها مجتمعنا المصري لعقود عدة، ولكن بغلالة شعرية لا يضاهيه أحد فيها فكم كان موفقاً في أن يظهر ويقول كل ما يريد بأسلوب جمالي وشاعري أخاذ من دون أن يخدش رؤيتنا الفنية معبراً عن قضايا يجعلنا نتعاطف معها في أفلامه وعبر أبطالها، أفلامه التي كان من أهم هواجسها قضية التهميش وغياب الاعتراف بشخصيات البشر وهويتهم ووجودهم والافتقاد للعدالة الاجتماعية والمساواة. وكانت قدرته فائقة على إثارة الدهشة فينا وتقديم الأشياء والأشخاص برؤى جديدة لم نكن ندركها من قبل. كان رحيل رضوان الكاشف الخاطف في الخامس من حزيران (يونيو) عام 2002 - ذكرى الهزيمة الكبرى - صدمة لكل عشاق السينما المصرية وعشاق سينما رضوان الكاشف ذات الحس الجمالي والشاعري والسحري والاجتماعي الفائق، خصوصاً أن الكاشف رحل في سن صغيرة وهو في قمة تألقه بعد أن قدم أفلاماً قليلة مهمة وكنا نطمح إلى المزيد من عطائه الفني المبهر بلا حدود.