يواجه منزل ذو قيمة أثرية في مدينة الكوت جنوب شرقي بغداد، خطر الاندثار لقدمه ولعدم اهتمام دوائر الآثار به. المنزل المبني على الطراز العثماني منذ ما يقارب 150 سنة، هو الأقدم في مدينة الكوت، ويعود بناؤه إلى «أسطوات» العمارة اليهود الذين أقاموا في تلك المنطقة. اتخذته الحامية البريطانية مقراً لها في العام 1915 عندما تعرضت لحصار القوات التركية. ويقول حسين حسن محمد علي عابدي أحد أفراد الأسرة التي تعود إليها ملكية البيت، إن «عدم اهتمام الجهات الحكومية ودوائر الآثار والتراث بهذا المعلم التاريخي أدى إلى وضعه الحرج الآيل للسقوط في أي لحظة. في الثمانينات حاولنا بيعه أو هدمه وإعادة بنائه على شكل محال تجارية، لكن السلطات رفضت ذلك. يمكننا الآن بيعه لكننا نريده أن يتحول مبنى تاريخياً». دخلت القوات البريطانية مدينة الكوت العام 1915 قادمة من البصرة، وتوجهت إلى العاصمة بغداد. لكنها، اصطدمت بالقوات التركية التي أرغمتها على التراجع والعودة إليها تحت جنح الظلام، لتواجه حصاراً استمر سنة. وفي كانون الأول (ديسمبر) 1915 تقدمت القوات التركية وطوقت الكوت وحاصرت الجنود البريطانيين ومعهم الجنود الهنود، وسقطت المدينة في أيدي الأتراك في نيسان (أبريل) 1916، واستسلمت القوات البريطانية بقيادة الجنرال تاونزند. «كانت فرق إنكليزية، لا نعرف أن كانت متخصصة بالآثار أو تابعة للحكومة البريطانية، تزور هذا البيت سنوياً خصوصاً في السبعينات، ثم انقطعت»، يقول عابدي. ويضيف: «نأمل بأن تلتفت الجهات الحكومية لصيانة البيت ليصبح معلماً تراثياً، أو أن يسمحوا لنا بالتصرف به بما أنه يقع في قلب المدينة وفي منطقة تجارية بحتة». ويتكون هذا البيت من طابقين، في الأول ثلاث غرف وسرداب (غرفة منخفضة عن مستوى بقية الغرف تكون باردة صيفاً). ولا تزال الغرف تحتفظ بشبابيكها الخشبية القديمة تتوسطها زخارف من حديد بُنيت من الحجر المربع. الطابق العلوي لا يستطيع أحد التجوال في غرفه الأربع، لتهالك الممرات المؤدية إليها، إذ تهتز بمجرد السير عليها. ومن هذا الطابق يؤدي درج تهدم كلياً إلى سطح المنزل حيث كان تاونزند يراقب القوات التركية وتحركاتها. سقوف غرف هذا الطابق مغطاة بالخشب تكسوه زخارف زجاجية ملونة ما زالت تحتفظ بشكلها الطبيعي. أحد جدران الغرف في هذا الطابق تهدم بفعل هزة أرضية تعرضت لها المدينة قبل سنوات، وأغلقت أنقاضه بثر ماء كان في وسط البيت. وتكمن القيمة التراثية لهذا المبنى الذي يقع على مقربة من إحدى ضفاف نهر دجلة بمحافظته على حالته الإنشائية والمعمارية الأولى. وكان القائد تاونزند يتخذ من إحدى هذه الغرف مكاناً لإقامته، وأخرى للضباط وعدد من أفراد الحامية البريطانية. تتردد روايات تاريخية بأن تاونزند ترك أموالاً مدفونة في البيت لم يعرف مكانها بالتحديد، كانت مخصصة لرواتب الجنود والضباط، وذلك قبل استسلامه للأتراك. كما تفيد بأن إحدى الأسر لا تزال تحتفظ بمنديله الخاص داخل صندوق زجاجي عثر عليه بعدما غادر المكان أسيراً. يقول حيدر جاسم محمد المعاون الثقافي لمحافظ واسط إن «المحافظة عازمة على شراء هذا البيت وصيانته ليصبح متحفاً للمدينة يحكي قصة تاريخها». ويضيف: «في الوقت الحاضر نعاني مشكلات مالية تعرقل مسألة شراء البيت بالتنسيق مع دائرة الآثار والتراث، لكننا وضعنا في أولوياتنا هذا الأمر بعد رفع تخصيصات الاستثمار للمدينة من الحكومة المركزية كي يتسنى لنا شراؤه مطلع العام المقبل، وحينها نبدأ بتحويل المكان إلى متحف ومعلم تاريخي». وكان عدد من المعنيين بالعمارة العراقية القديمة والمباني التاريخية المنتشرة في عموم المدن العراقية طالبوا في وقت سابق الحكومة والجهات المعنية بإعداد مسح ميداني سريع لعدد كبير من تلك المباني المهددة بالاندثار بسبب الإهمال.