يرى المخرج السوري حاتم علي الذي ارتبط اسمه بأعمال تاريخية ودرامية، مثل «صقر قريش» و«ربيع قرطبة» و«صلاح الدين الأيوبي» و«ملوك الطوائف» و«الملك فاروق»، أن التركيز على سيرة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يأتي بحثاً عن تجسيد صورة عدل الحاكم في أبهى ألوانها، لذلك رصدت موازنة عالية للعمل لتحقيق الصدقية عند الناس. ويؤكد علي أن اختيار شخصية عمر ينطلق من أهمية الشخصية وموقعها في التاريخ الإسلامي، ويقول: «لا ننسى أن فترة خلافة عمر هي فترة تَشكُّل الدولة الإسلامية، بمعنى انتقال الإسلام من مرحلة الدعوة إلى مرحلة بناء الدولة بما تتطلّبه تلك المرحلة من مؤسسات، وبرأيي فإن مشروعية أي عمل تاريخي تكمن في مدى مواكبة أفكاره للعصر، وقدرتها على طرح أسئلة أو الإجابة عن أسئلة معاصرة، ومن هنا يستمد العمل التاريخي مشروعيته. فالأعمال التاريخية ليس من مهمتها فقط إعادة رواية التاريخ على غرار الكتب التاريخية، بل للعمل الفني أهداف أخرى، فحواها أن تكون الأطروحات مهمة للمشاهد في هذا العصر، ومن هنا يكتسب مشروعيته وقدرته على طرح الأسئلة وإيجاد الإجابات». ويضيف: «توخينا الدقة في الرواية التاريخية لعظمة هذه الشخصية، فالبحث الذي قام به الدكتور وليد سيف لكتابة العمل، تابعته لجنة ضمت مجموعة من أبرز العلماء، أشرفت عليه ودققت في الوقائع التاريخية وتابعت تفاصيله، وهو ما كلفنا جهداً ووقتاً كبيرين، وقد ضمّت اللجنة عبدالوهاب الطريري وعلي الصلابي ويوسف القرضاوي وسلمان العودة وسعد العتيبي وأكرم ضياء العمري». لكن صدقية العمل وقدرته على محاكاة التاريخ تحتاجان دائماً - برأي علي - إلى اختيار الموقع المناسب، «الاختبار الذي نواجهه كصنّاع لمثل هذه النوعية من الأعمال، يكمن في مدى قدرتها على إعادة بناء مشهديّة فيها كثير من الصدقية من ناحية التقارب بين العناصر المختلفة من بيئة العمل والأحداث الأصلية وغيرها... وعادة فإن مشكلة أعمال من هذا النوع تكمن في أن أماكن الأحداث الأصلية تكاد أن تكون معروفة لجميع المسلمين في أنحاء العالم، لما تتميز به هذه البقعة الجغرافية من قداسة ومكانة في وجدان المسلمين، بالتالي فإن إحدى الصعوبات كانت البحث عن بيئة مشابهة لمدينة مكّة مثلاً، وهو أمر في غاية الصعوبة، لأنه لا يمكن أن تجد مكاناً مشابهاً أو مطابقاً لمكان آخر، وهو أمر شبه مستحيل». المعارك التي خاضها المسلمون في تلك المرحلة مثلت جزءاً مهماً من مسيرة أحداث القصة التاريخية، لذلك استعان مخرج «عمر» بالفيلة المدربة إذ يقول: «في المعارك مع الفرس، استخدم المسلمون الفيلة التي كان لها دور حاسم في معارك مثل القادسية والجسر، وكان المقاتلون العرب غير معتادين على مثل هذه الحيوانات الكبيرة، لكنهم بطبيعة الحال استطاعوا التغلب عليها، بالتالي فقد كان من الصعب علينا الاستغناء عن مثل هذه العناصر لصدقية العمل، وهو ما دفعنا إلى استخدام فيَلة مدربة، بمشاركة مجازفين من دول عدة، وبمرافقة فريق غرافيك من فرنسا... كل هذه العناصر مجتمعة تضافرت لتقديم معارك مقنعة، بما يسمح فيه سقف الصناعة التلفزيونية الذي يُعتبر منخفضاً في العالم وليس فقط في وطننا العربي، وأتحدث هنا عن الصناعة التلفزيونية وليس السينمائية، لأن الفارق بينهما كبير من ناحية الفنيين والمتطلبات الإنتاجية وغيرها». نحو العالمية صعوبة تصوير المعارك تتجلى في المدة التي استنفدتها، فبينما تطلّب تصوير العمل بأكمله 170 يوماً، ذهب 50 منها لتصوير المعارك وحدها - بحسب علي: «تطلّب تصوير المعارك أكثر من 50 يوماً، والمشاهد الدرامية استغرق تصويرها أكثر من 120 يوماً، وكلا النوعين من المَشاهد يحتاج أيضاً إلى كومبارس.. والكومبارس لم يستخدم فقط في المعارك بل في مشاهد أخرى درامية، كالطواف حول الكعبة، وفي المسجد النبوي، وفي فتح مكة، وكذلك في المشاهد الخارجية، ومسيرات الجيوش، بمعنى أن هناك حوالى 300 إلى 400 كومبارس يومياً في المشاهد العادية. فعندما تتناول شخصيات عظيمة مثل شخصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه خلال فترة مهمة من تاريخنا الإسلامي، لا بد أن يكون الطموح أكبر مما هو معتاد، ولا بد من خدمة هذه الأفكار عبر حامل فني يشكل العامل الإنتاجي عموده الفقري». ويضيف علي: «ما يجب ذكره هنا، أننا سعينا لنشر هذا المسلسل عالمياً، لا سيما أنه أضخم إنتاج درامي في تاريخ التلفزيون الحديث في المنطقة. فالمسلسل كما علمتُ أخيراً من القائمين على شركة «O3 للإنتاج»- المنضوية تحت لواء مجموعة «أم بي سي» - سيُعرض على شبكة ATV التلفزيونية التركية، وغيرها من القنوات الإندونيسية والماليزية، إضافة إلى إنكلترا على شاشة «أم بي سي» خلال رمضان. والهدف من ذلك هو نشر رسالة الإسلام السامية، وقيم التسامح والمحبة والعدل والإحسان التي عمل عمر بن الخطاب رضي الله عنه على نشرها خلال خلافته، وهو ما سيساهم في تغيير الفكرة المغلوطة التي رُسمت في ذهنية بعض المجتمعات الغربية عن الإسلام والمسلمين، ونتوقع أن يلقى المسلسل صدى كبيراً في كل الدول التي ستعرضه». جنسيات عربية تتقاسم تجسيد الشخصيات الرئيسية في «عمر»، والسبب بحسب مخرج المسلسل هو الرغبة في تقديم عمل عربي بكل عناصره، بدءاً من الكاتب الفلسطيني، مروراً بجهتي الإنتاج (مجموعة «أم بي سي» وتلفزيون قطر)، وصولاً إلى العناصر الفنية خلف الكاميرا.