على وزن القنابل الأميركية «الذكية» التي تخطئ «العدو» وتصيب عرساً في قندهار او ملجأ في العراق، جاءت العقوبات الروسية «الذكية» ضد الشركات الغربية المتواطئة ضد سياسات الكرملين في اوكرانيا. هكذا لم يعد بإمكان المواطن الروسي ان يجد في الأسواق التفاح البولندي، والأجبان الفرنسية والسمك النروجي الفاخر أو انواع «المارتديلا» واللحوم المقددة الألمانية. لكن لائحة «الكماليات» المحظورة التي سبّبت خسائر للشركات الغربية راوحت التقديرات حول حجمها الاجمالي بين 9 بلايين و11 بليون دولار، وضمت كثيراً من المنتجات التي لا تلتفت إليها عادة نظرات اصحاب المحافظ السمينة، بينما تلاحقها على رفوف المتاجر عيون المواطنين المرهقين بسبب ارتفاع الأسعار، باعتبار انها تفي الغرض، وتتيح «حلاً كريماً» لإطعام نحو 30 في المئة من الأسر الروسية، وفق إحصاء قدمته رئيسة مركز السياسة الغذائية ناتاليا شايغايدا. دقت السيدة ناقوس الخطر عندما نبّهت إلى ان ثلث عائلات روسيا بات مهدداً «غذائياً»، لأن لائحة واسعة من المواد الرخيصة نسبياً ستختفي عن رفوف المتاجر، وبينها لحوم الدجاج الأميركي، والأجبان الأوكرانية وأصناف الثمار الآتية من مولدافيا، الى آخر لائحة المواد والبلدان التي شملتها قرارات الحظر. ولاحظت شايغايدا ان مشكلة الحظر لا تقتصر على جمعه المنتجات الباهظة الأسعار مع تلك التي تحتاجها بشدة الأسر الفقيرة، بل في كونه سيسفر عن قفزة كبيرة في اسعار كل المواد، بما فيها المحلية منها، بسبب غياب التنافس والاحتكارات، وقد يؤدي إلى وضع يعيد الى الأذهان مرحلة كاد أن يطويها النسيان، عندما كانت رفوف المتاجر فارغة إلا من اصناف محدودة جداً. لكن السلطات الروسية التي باشرت خطة لمواجهة محاولات استغلال الوضع الجديد، عبر جولات تفتيش مباغتة للمتاجر، حذّرت من أن لا تهاون مع محاولات العبث بلقمة المواطن، عبر احتكار الأصناف الغذائية او رفع أسعارها في شكل غير مبرر. إذاً، لا عودة الى العهد السوفياتي. هذا يطمئن كثيرين، على رغم ان لافتات ظهرت فجأة في بعض شبكات المتاجر الكبرى، تنبّه الروس إلى أن «هذا الصنف لا يمكن الشخص شراء اكثر من 5 كيلوغرامات منه». وتتحدث الحكومة عن بدائل سريعة تَعِد بتوفيرها لسد النقص في السلة الغذائية للمواطن، وهكذا يكثر الكلام على تعويض 30 في المئة من حاجة المستهلك الروسي الى أصناف اللحوم «الغربية»، من بلدان اميركا اللاتينية الصديقة، بينما سيتكفل المغرب ومصر وبلدان أخرى انضمت اخيراً الى لائحة اصدقاء روسيا بتأمين ال70 في المئة من حاجة الأسواق الروسية إلى الفواكه. «الصدمة» ستحفز الانتاج الوطني الذي ظل لسنوات طويلة مهملاً وشاخت بناه التحتية، ولم يحصل على الرعاية المطلوبة. تلك هي خطوات الحل البديل، والمطلوب بعض الصبر من المواطنين و «شد الأحزمة» قليلاً. والغريب ان اسرائيل التي تصدّر إلى روسيا آلاف الأطنان سنوياً من البطاطا والجزر والخضروات والفواكه، ولائحة طويلة جداً من المواد الغذائية، لم يشملها الحظر، على رغم انها شاركت في العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، عبر تجميد التعاون العسكري مع موسكو في صناعة طائرات من دون طيار. ويتوقع كثيرون ان تشغل الدولة العبرية حيزاً مهماً في تعويض النقص الحاصل، وإن لم يُعلن اسمها بين لائحة «الأصدقاء». وإلى أن يتحقق التعويض وتعتاد موازنات الأسر الفقيرة على الوضع الجديد، يعمل الإعلام الروسي بنشاط للترويج لمقولة «الجوع ولا الذل»، عبر التركيز على اقتراحات «ذكية» ايضاً بافتتاح سلسلة متاجر تعتمد فقط على الانتاج الوطني... وعبر تأكيد ضرورة مقاطعة البضائع الغربية العميلة. واللافت ان الحملات لم تقتصر على المواد الغذائية بل انسحبت لتغدو مشاريع قرارات في مجلس الدوما، تحارب استخدام السيارات والملابس الأجنبية، وحتى ماركات السجائر العالمية التي تُصنَّع في روسيا. وتنسحب أيضاً على لائحة طويلة جداً من المواد التي لا يُقصَد بها إطلاقاً الانكفاء عن العالم، ولا العودة الى اتحاد سوفياتي من نوع جديد.