يوم السبت الماضي اجتمع وزراء الخارجية لمجموعة الاتصال حول سورية، بحضور وزراء الخارجية للدول الخمس دائمة العضوية، وقطر وتركيا والكويت والعراق، إضافة إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي، والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، إضافة إلى الأمين السابق وصاحب آخر المبادرات الفاشلة للحل في سورية كوفي أنان. اللافت في الاجتماع أن كل طرف خرج بفهم مختلف حول تشكيل حكومة مشتركة، البعض يرى الأسد جزءاً منها، والبعض يرى استحالة وجوده، يرى البعض وجود المعارضة ضرورياً في الحكومة، على رغم أن أطياف المعارضة أعلنت عدم مشاركتها في الحكومة - إن شُكلت - لمعرفتها أن هذا سيصمها بالخيانة والتواطؤ أبد الدهر. ومع هذا الاختلاف، بين رؤية الأوروبيين والأميركان من جهة، والروس والإيرانيين من جهة أخرى، فإن هناك عوامل اتفاق، فجميع الأطراف، بما فيها الأسد، يدركون ألا تدخل عسكري لحسم الوضع في سورية. سقوط المناطق في قبضة الجيش الحر الذي أقره «لافروف» بعد اجتماع جنيف، دليل على قوة الجيش الحر، وأن المناطق التي يسيطر عليها زادت، كما تشير بعض التقارير إلى سيطرة الجيش الحر على نحو 40 في المئة من الأراضي السورية، لاسيما شرقاً. إذن والجميع يدرك يوماً بعد يوم أن الأسد زائل لا محالة، لكن الجميع يختلف حول كمية الدم الذي يجب أن يُنزف، أو عن حجم اللقمة التي تسمن الدب الروسي، قبل أن يتم سقوط الأسد، ولكن لماذا يبالغ الروس في قيمة إسقاط الأسد، على رغم أنهم لا يملكون حقيقة سوى منع أي قرار من مجلس الأمن ضد النظام الأسدي، وتبين أنهم لا يملكون فعلياً قرار إسقاطه، وأن مبالغتهم في دعمه هو رغبة في شيء من صفقة، وبالطبع الإبقاء على قاعدة «طرطوس» نافذتهم الأخيرة على المتوسط. المؤتمر في جنيف، الذي شهد غياب إيران والسعودية، كما قيل من أنه مناكفة روسية أميركية، سبق بيوم واحد تنفيذ منع استيراد النفط الإيراني، خصوصاً في أوروبا وأميركا، وهو ما سيمثل خنقاً للاقتصاد الإيراني، وهذا ما يوضح أيضاً الضغوط التي تتعرض إليها إيران، وهو ما يدفعها للاستماتة في دعم سورية بكل ما أوتيت من قوة، لأنها تدرك أنها هي وسلاحها النووي المحطة المقبلة في التوجه الغربي. إيران بدت مسيطرة على مفاتيح الحكم، وعلى ضباط الإدارات القريبة من القصر، وربما أكثر من الأسد نفسه، الذي أشارت أنباء إلى أنه ممنوع من الخروج من القصر بأوامر من ضباط الحرس الجمهوري، ربما خوفاً من أن يهرب ويترك القيادات العلوية في مرمى النيران. تركيا تحشد جيوشها على الحدود السورية، لكن لا يبدو أنها تنوي مهاجمة سورية، حتى لا تكسب الأسد شعبية داخلية، ولكنه حشد للردع، وما قد يدفع الغرب حقيقة للتحرك بتسليح المعارضة - كما ألمحت كلينتون - هو بدء تحول الوضع في سورية لخطر على إسرائيل، إذ لام إيهود باراك الروس لتصدير أسلحة لم تصدرها روسيا إلى أي بلد آخر، من طراز ميج 21 التي هرب بها الطيار السوري للأردن، ورعب الإسرائيليين لعدم معرفتهم من يخلف الأسد، وأي خطر يمثله النظام المقبل إذا كان مطور التسليح. إذن فالوضع السوري بين إيران مستميتة، لا لإبقاء الأسد بل لإطالة أمد الأزمة في سورية، بمساندة من العراق وحزب الله، وبين غرب لن يتوانى أن يُعطي كل دعم لوجيستي ومادي للمعارضة، متى ما أصبح بقاء النظام خطراً على إسرائيل، أما روسيا فبالغت وغالت في قيمة بضاعتها، حتى كسدت من السوق، وأصبحت حقيقة تريد بيع ما لا تملك. * كاتب سعودي. www.aaltrairi.com @aAltrairi