لا يتوقف عمال بلديات في العاصمة الجزائرية عن العمل ليل نهار في رفع لافتات كبرى تؤشر إلى احتفالات الجزائر بذكرى استقلالها الخمسين (في الخامس من تموز / يوليو). وتستعد السلطات الجزائرية لتنظيم مهرجانات كبرى مخصصة لهذا الموعد الذي يحظى برعاية سياسية كبيرة، لكن نخباً تنتقد التحضيرات لهذه الاحتفالات وتعتبرها «سياسة شعبوية». وأدخلت الاحتفالات بذكرى الاستقلال مسؤولين في الدولة في «مهاترات» حول قيمة صفقات فنانين ينشّطون المهرجانات في مختلف الولايات. وغيّب هذا السجال نقاشاً رغبت فيه نخب سياسية وفق طرح عميق حول إنجازات الاستقلال وسلبياته. ويناقش مفكرون جزائريون «الشرعية الثورية» ضمن نطاق ضيق عبر صحف أو ورشات نقاش لا تحظى باهتمام رجالات السلطة. ويدّعي ساسة جزائريون أن زمن «الشرعية الثورية» قد ولى، لكن جيل الثورة ما زال يستأثر بأهم المناصب السياسية والأمنية في البلاد بعد مرور نصف قرن على الاستقلال. صحيح أن الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة قالها صراحة في مؤتمر منظمة المجاهدين قبل سبع سنوات عندما أكد أن «الشرعية الثورية انتهت»، وهي جملة خلّفت امتعاضاً بين مجاهدين يتولون مناصب عليا في الدولة. لكن بوتفليقة كرر موقفه هذا في خطاب في سطيف في الثامن من أيار (مايو) الماضي، أي قبل يومين من الانتخابات التشريعية، عندما نطق جملته الشهيرة «طاب جنانا» ومعناها «انتهى زمننا». وزعمت أحزاب سياسية جزائرية أنها دفعت في الانتخابات التشريعية الأخيرة بمئات الشباب في قوائمها الانتخابية، لكن تشكيلة البرلمان الجديد لا توحي بحصول تغيير جذري في التركيبة البشرية للنواب. ويتحدث أكاديميون عن «صراع أجيال» في الحالة الجزائرية بعد نصف قرن من استقلال البلاد، ويقول كريم (34 سنة) ل «الحياة» إن «الجزائر كان بإمكانها أن تصل إلى وضع أحسن... لم نستطع ترتيب أمورنا بسبب تقديرات خاطئة لمن حكموا البلاد». والغريب أن احتفالات خمسينية الاستقلال تسير في اتجاه التذكير بما يُعرف ب «إنجازات بوتفليقة»، في إشارة إلى المشاريع الضخمة التي نُفّذت في السنوات الأخيرة، على حساب تقييم حقيقي لخمسين سنة عرفت فيها الجزائر سبعة رؤساء وعُشرية دامية (حقبة التسعينات) أدخلت الجزائر في عزلة دولية وأدت إلى تراجع في المداخيل الاقتصادية قبل أن تتعافى البلاد منذ عام 1999. ومنذ استقلالها في الخامس من تموز (يوليو) 1962 شهدت الجزائر في العام 1965 انقلاباً على الرئيس الأول أحمد بن بلة الذي أطاح به وزير دفاعه حينها هواري بومدين. ولسنوات طويلة سُمّي الانقلاب ب «التصحيح الثوري»، لكن الرئيس بوتفليقة ألغاه كيوم وطني، كنوع من «الاعتذار» من بن بلة الذي وافته المنية قبل شهور قليلة فقط. وبعد وفاة بومدين عام 1979 تولى الرئاسة الشاذلي بن جديد إلى أن استقال من الحكم بعد فوز الإسلاميين في أول انتخابات تشريعية تعددية شهدتها البلاد (1991) وألغيت نتائجها مطلع عام 1992، ما عبّد الطريق أمام فترة عنف دامية استغرقت قرابة عشر سنوات وقُتل فيها ما يربو على 200 ألف جزائري. وخلف الشاذلي في الرئاسة محمد بوضياف على رأس المجلس الأعلى للدولة، لكنه اغتيال في 29 حزيران (يونيو) 1992. وبعده سيّر علي كافي ثم اليمين زروال مرحلة انتقالية انتهت عام 1995 عندما انتخب زروال رئيساً في انتخابات تعددية. وبعد زروال، وهو جنرال متقاعد عُرف بصرامته في «مكافحة الإرهاب»، انتخبت الجزائر بوتفليقة رئيساً عام 1999، وهو يحكم البلاد الآن لولاية ثالثة.