لا تعدّ كرة القدم في ألمانيا اختصاصاً للرجال فقط، فللنساء حصة كبيرة في المتابعة والتشجيع، خصوصاً أنّ حمّى البطولة الأوروبية أصابت الكل من دون استثناء. وقد لا يرجع هذا الاهتمام الزائد بين الألمان إلى قوّة منتخبهم فحسب، بل لكونهم أيضاً يبحثون عمّا يسلّون به أنفسهم تعويضاً عن رداءة الطقس في فصل ٍ لا يشبه الصيف إلا باسمه. مع هذا لم تمنع الأمطار آلاف المشجعات والمشجعين من الوقوف أحياناً ساعات طويلة بغية مشاهدة مباريات المانشافت معاً في ساحات المدن الألمانية. وتمكن ملاحظة الاهتمام النسائي بكرة القدم في نواح عدة لا سيّما على مستوى الممارسة إذ تجدر الإشارة إلى أنّ الألمانيّات نجحن بالحصول مرتين على كأس العالم للسيّدات في 2003 و2007 وست مرّات على كأس أوروبا، لكنهن أيضاً بارعات على مستوى متابعة المباريات وتحليلها فلا يجد المراقب فرقاً شاسعاً بين الجنسين من حيث المعرفة والاطلاع. وأسطع مثال على ذلك هي كاترين مولر هوهنشتاين مقدمة البرنامج الريّاضي الأقدم والأشهر في ألمانيا «استوديو الرياضة» إذ تستضيف كبار نجوم الكرة الألمان وتبهر المشاهدين بثقافة كروية لا يشقّ لها غبار. كذلك في السنوات الماضية رسخت في الأذهان صورة المستشارة الألمانيّة أنغيلا ميركل وهي تصيح وتقفز في مدرّجات ملاعب كرة القدم نصرةً لمنتخب بلادها. بيد أنّ ما سبق من أمثلة ودلائل لا يكفي لإقناع بعض الرجال بمتابعة المباريات مع صديقاتهم أو زوجاتهم. ويظهر هذا جلياً في دراسة أعدّها معهد الأبحاث الاقتصادية (إينوفاكت) أفضَت إلى أنّ 30 في المئة من الرجال الألمان يفضّلون مشاهدة المباريات مع أصدقائهم على مشاهدتها مع صديقاتهم. كما وصف الكثير منهم زوجاتهم ب «المزعجات» أثناء متابعة مباريات كرة القدم. ولا يعدو الإلمام الضئيل باللعبة وتاريخها كونه سبباً وحيداً لتجنّب بعض الرجال مشاهدة المباريات مع النساء في ألمانيا، إذ يسرد هؤلاء مبررات أخرى تجعلهم يتحاشون الفرجة المختلطة منها مبالغة النساء في إيلاء الأهمية للمظهر الخارجي للاعبين على حساب المهارة في اللعب، وبشكل خاص عند مواجهة المنتخب الإيطالي الذي تنال وسامة لاعبيه الكثير من إعجاب النساء الألمانيّات. ويضيف هؤلاء المنزعجون من الحضور النسائي أثناء متابعة المباريات سبباً آخر لانزعاجهم وهو تكلّم النساء خلال متابعة المباراة عن أشياء أخرى لا تتصل بكرة القدم ما يعيق التركيز على مجريات اللعبة. مرةً أخرى تأتي الأرقام والوقائع لتدحض مزاعم بعض هؤلاء الرجال، إذ بيّنت الإحصاءات أنّ عدد الألمانيات اللواتي تابعن مباريات بطولة أوروبا السابقة على التلفزيون فاق عدد المشاهدين من الذكور. إضافةً إلى ذلك أظهرت دراسة صادرة عن مركز بحوث الرياضة والاقتصاد أنّ عدد المشجّعات تضاعف مقارنةً بتسعينات القرن الماضي ليبلغ اليوم حوالى 12،5 مليون مشجّعة. واستخلصت الدراسة نفسها أنّ ربع جماهير مباريات الدوري الألماني في الملاعب هم من المشجّعات، «ما يجعل مشاركتهنّ عاملاً اقتصاديّاً فاعلاً في كرة القدم الألمانية»، يقول هارتموت زاستروف رئيس المركز المذكور. ويرى زاستوف في جذب الفتيات لمتابعة كرة القدم «هدفاً واقعياً وملحّاً، فقد بلغت شعبيّة اللعبة عند الصبيان أقصى نسبة ممكنة بينما لا تزال بقايا التقاليد الاجتماعية تعيق نشرها في أوساط الفتيات». وألمانيا التي تتغنّى بنسائها في نشيدها الوطني باتت تتغنّى أيضاً خلال المسابقة الأوروبيّة بصديقات اللاعبين وزوجاتهم وتفرد مساحة لأخبارهنّ في الجرائد اليوميّة والبرامج التلفزيونية، في وقت أصبحت للدراية بالوضع الاجتماعي الخاص للاعبين أهميّةٌ تضاهي الإلمام بمستواهم الفعليّ على أرض الملعب، ما يُحتَسب نقطة إضافية للنساء اللواتي يتفوّقن على الرجال بمتابعة الأخبار الاجتماعية للاعبين أو الفنانين أو السياسيين على حد سواء. وبعيداً من الكليشيهات والأحكام المسبقة ينبغي على المرء أن يعترف بأنّ صّيحات وابتسامات المشجّعات الألمانيّات وغير الألمانيّات تضفي الكثير من الجمال والمرح على أجواء المباريات وتسهم أيضاً في تحطيم الأفكار التقليدية التي تفصل بين الرجل والمرأة في الملاعب. عدا عن ذلك تفرض النساء أنفسّهنّ شيئاً فشيئاً على المشهد الكروي الألماني والعالمي، الأمر الذي يؤكّده رئيس الفيفا جوزيف بلاتر بتصريحه بأن مستقبل كرة القدم سيكون نسائياً... شاء الرجال ذلك أو أبوا!