قلل رئيس الحكومة المغربية عبد الإله بن كيران من موجة احتجاجات محدودة للرد على قراره رفع أسعار البنزين ومواد نفطية. وقال بن كيران أمام مجلس النواب أمس إن المجتمع المغربي «تفهّم دوافع القرار» التي جاءت من أجل صون اقتصاديات البلاد التي كانت مهددة بالانهيار. وأصر على «إدراج قراره الشجاع» في إطار معاودة إصلاح نظام المقاصة الذي يتولى دعم المواد الاستهلاكية الأساسية. وأوضح بن كيران أن حكومته تحملت المسؤولية في ظرف صعب تميّز بغليان الشارع الذي كان يموج غضباً، في سياق ما يعرف ب «الربيع العربي». وأوضح أن فترة نصف العام التي تحمّل فيها المسؤولية الحكومية جعلته يقف أمام حقائق جديدة حول الوضع الاقتصادي في البلاد. وكشف أن مديونية البلاد تصل إلى حوالى 200 دولار لكل مواطن من بين 33 مليون مغربي. لكنه شدد على التزامه المضي قدماً في مسلسل الإصلاحات «حتى لو أدى ذلك إلى تراجع الشعبية» التي يتمتع بها، موضحاً أن ما يهمه هو إنصاف الفئات المعوزة والمحرومة. في غضون ذلك، هيمن صراع القيادة على المؤتمر ال16 لحزب الاستقلال الذي بدأ أعماله أمس في الرباط في حضور خمسة آلاف عضو يمثّلون فروع الحزب في المدن والمحافظات كافة. وتميّزت الجلسة الافتتاحية بعرض التقرير الذي قدّمه الأمين العام رئيس الحكومة السابق عباس الفاسي. وأفادت المصادر بأنها المرة الأولى في تاريخ أقدم حزب سياسي في المغرب - تأسس عام 1944 بالتزامن مع تقديم أول وثيقة طلب استقلال البلاد - يدور فيها صراع حاد على الزعامة منذ رحيل مؤسسه التاريخي علال الفاسي عام 1974. وقتها كشفت معطيات أن الملك الراحل الحسن الثاني لدى استقباله قيادة الحزب لمّح إلى الدور الذي يمكن أن يضطلع به المحامي محمد بوسته الذي تولى القيادة وعيّن وزيراً للخارجية عام 1978. بيد أنه بعد فشل مفاوضات التناوب لعام 1994، اختار محمد بوسته التنحي لكنه احتفظ بمكانة رمزية إلى جانب رواد آخرين في مجلس رئاسة الحزب. وانتخب صهره عباس الفاسي أميناً عاماً من الجيل الثاني، ثم رأس الحكومة بعد اشتراعيات 2007 وحيازة الحزب المحافظ صدارة الترتيب. وتخوض ثلاثة وجوه صراع الزعامة هذه المرة، في مقدمها عبدالواحد الفاسي نجل الزعيم المؤسس الذي عاد إلى الواجهة لتأمين استمرارية تاريخية للحزب. إذ يُنظر إليه كمرشح يمكن أن يحظى بدعم غالبية المؤتمرين، بخاصة أنه لم يكن في أي فترة طرفاً في أي صراع داخلي، عدا أنه يمثّل وجهاً مقبولاً من لدن تيارات عدة، وقد يكون طُلب إليه الترشح للحسم في أية خلافات مرتقبة، أقلها أنه يصعب على منافسيه أن يقفوا في وجه المدرسة التي ينتسب إليها. أما المرشح الثاني البارز فهو حميد شباط النقابي المتمرس الذي يقول منتقدون إنه خرج عن «القاعدة الوفاقية». وأعلن شباط الذي يرأس الاتحاد العام للعمال أنه سيترشح لمنصب زعامة الحزب، مبرراً خطوته بأن لا معنى لاحتكار أسرة بعينها قيادة حزب تاريخي. ونُقل عنه القول إن فكرة علال الفاسي وتجربته ملك لكل منتسب إلى الحزب. وعلى رغم أن عمدة فاس حميد شباط عضو في اللجنة التنفيذية للحزب، فإنها المرة الأولى التي يحاول فيها الجناح النقابي الاضطلاع بدور سياسي. ويُذكر في هذا السياق أن علال الفاسي ورفيقه محمد الدويري كانا وراء تأسيس نقابة الاتحاد العام في ستينات القرن الماضي، رداً على الانشقاق الذي تعرض له الحزب عام 1959. ويتعرض شباط إلى ما يصفه ب «حملة انتقامية» طاولت الزج بنجليه في ملفات أمام القضاء بتهم مختلفة. وقد يكون، وفق ما يقول بعض المصادر، اختار الرهان على زعامة الحزب لمواجهة هذه الحملات. وفي حال تأكد أن شباط سيكون منافساً عنيداً لنجل علال الفاسي، فإن هذا التطور قد يفسح في المجال أمام ترشح رجل ثالث يُنظر إليه بمثابة ورقة وفاقية. ويتعلق الأمر بوزير التعليم الحالي محمد الوفا. فهو أيضاً ينتمي إلى الجيل المخضرم، ويُعتبر أقرب إلى الجمع بين التيارات المتصارعة. وثمة من يهمس أن استيزار محمد الوفا كان بمثابة شرط للحؤول دون ترشحه لرئاسة الحزب. غير أن التطورات المتلاحقة قد تعصف بأي صفقة من هذا النوع، بخاصة أن النائب السابق عُرف بحنكته السياسية، وحافظ على علاقات انفتاح مع الأوساط السياسية في المعارضة والموالاة. ومؤتمر الاستقلال لن يحسم في مستقبل زعامة فقط، بل هناك استحقاقات أخرى من قبيل مستقبل تحالفاته، كونه يشارك في حكومة عبد الإله بن كيران وقطع صلات تحالفاته القديمة بحزب الاتحاد الاشتراكي. ويُضاف إلى ذلك الإعداد لانتخابات البلديات المرتقبة. غير أن المؤتمر يبقى سيد قراراته على حد تعبير قيادي بارز في حزب علال الفاسي الذي تدرج بين المعارضة والموالاة على قدر درجات الاحتقان والانفتاح السياسي في البلاد.