إعلان الدكتور محمد مرسي رئيساً لمصر ليس فوزاً له وحده، ولا للإخوان من حزبه، ولا للإسلاميين من حوله وحدهم؛ ولكنه فوز للحرية والديموقراطية في مصر التي أشرقت فيها شمسها للمرة الأولى، هو فوز للمصريين كلهم، وإرغام لفلول الاستبداد والفساد، والمتنفعين المقتاتين عليه...هو فوز للثورة على الثورة المضادة، التي أرادت أن تعبث بإرادة الشعب وتلبِّس وتزور؛ لكن وعي شعب مصر كان غير الوعي الذي كانوا يعهدون، وكانت الكرامة غير الكرامة، والشجاعة غير الشجاعة فالعيال كبرت، والوعي المغيب رجع، وصوتُ الحرية عَلا، والرياح التي هبَّتْ لن يقف في طريقها شيء، تجري بأمر ربها. للمرة الأولى في تاريخ مصر الحديث يعتلي سدة الحكم رئيس منتخبٌ بطريق ديموقراطي نزيهٍ، فاز بغالبية صوتت له طواعيةً من غير إكراه ولا تزوير، ومن لم يرضَ به رئيساً يمنحه صوته ارتضى الطريقة التي أوصلته كرسي الزعامة، فمرسي لم يأتِ بسيف التغلب، أو الانقلاب، ولا بتوريث يرغم أنوف الشعب. يعلم مرسي قبل غيره أنه الآن رئيس لشعب مخيَّر، لا مسيَّر، وأن حسن الظن الذي أوصله هذه الزعامة ينتظر ما يصدِّقه من منجزات، وأن فترته الرئاسية هذه فترةُ اختبار لتصديق الأقوال بالفعال، وإلا فستُسقطه الأصوات نفسها، ويخلفه آخر بالطريق نفسها التي جاء من خلالها، فما هو إلا وكيل للشعب لا يتصرف إلا بالأحظ لموكِّله، لا سيداً مستعبِداً لرقابهم. في مصر أبى الشعبُ أن يُسيَّر كالنعاج مكتومي الأنفاس، مسلوبي الإرادة؛ كفاقد الأهلية المحجور عليه بوصاية...يُقادون وبلادهم إلى مصير لا يستشارون فيه ولا يُستأذنون...إلى مصير كالمجهول، تُدفن فيه آمال الأجيال الصاعدة، ويبقى طموحهم على كف عفريت. فوز مرسي منجزٌ من منجزات الثورة، فهي من صنعت خطة اعتلائه كرسي الرئاسة، وإنما الإخوان فيها مشاركون؛ لكنه منجز لا تنتهي عنده الثورة، فأمامها مشوار طويل، ومناوئون يحاولون إجهاضها أو اختطافها وتقزيم منجزاتها بتقييد صلاحية الرئيس وإضافتها لجناح العسكر، والتحدي القادم أكبر، والفتنة فيه أشد. إن فوز الدكتور مرسي فتنة ٌله وللإسلاميين ولقوم آخرين، هو فتنة له كما يفتن الإنسان بالنعمة، وفتنة للإسلاميين من حوله؛ لأن إخفاقه في الاضطلاع بمهامه - لو حصل - لن يُنسب له وحده، بل سيعيَّر بها الإسلاميون كلهم؛ حتى ولو كان السبب المباشر مكائد لخصومه وخصوم الثورة والإسلاميين. وهو فتنة لأناس آخرين، فإن هو أخفق وفشل فسيحسبون ذلك فشلاً لحكم الإسلام، وقصورَه عن أهلية سياسة الناس وإدارة معاشهم. اللهم فاحفظ لمصر أهلها، واحفظها لهم، واجعل فوز مرسي خيراً لها ولشعبها، وللأمة الإسلامية جمعاء. [email protected]