يحاول معرض «باريس... والفن العربي المعاصر» الذي يستضيفه المتحف الوطني في صنعاء، مدّ جسر بين حلقات متباعدة في المكان والزمان كما في الوعي الجمالي، لشعوب وحضارات متعددة ومتباعدة حدّ الصدام. والمعرض الذي ينظمه المركز الثقافي الفرنسي في صنعاء بالتعاون مع وزارة الثقافة اليمنية، يأتي في لحظة فارقة تتمثل بانبثاقات ثورات الربيع العربي، وبعد سنوات على إطلاق مصطلح «صدام الحضارات» التي لا ينفك فنانون عرب وغربيون يحاولون ردم فجوتها التي زادتها تداعيات أحداث 11 أيلول (سبتمبر) اتساعاً. أكثر من 90 لوحة لفنانين عرب يعيشون في فرنسا، إضافة إلى ثلاثة يمنيين، تحاول الإمساك بعالم يتلاشى ما بين الحلم والواقع، حيث روح الإنسانية تتجلى مضطرمة عبر وجوه مسّها المحو وألجمها الصراخ. هكذا تتلاقى ألوان آمنة النصيري وبشرى المتوكل وناصر الأسودي من اليمن، مع خطوط زليخة بوعبدالله وماهي بينبين وهشام بن هود وغيرهم، لتعيد صوغ عصب الفن الذي لطالما طمح إلى «سعة الرؤية وضيق العبارة». وكأن محمد بن عبدجبار بن حسن النفري الذي اشتهر بهذه المقولة، ينبثق مجدداً من زهرة أخرى ليصف حال اليمن الآن. اليمن الملسوع بالتباسات شتى لجهة نفسه، كما لجهة محيطه العربي والعالمي. يقع زائر المعرض على لوحات مشغولة بخامات طففة ومنظورات تميل إلى التجريد البسيط بمقدار ما تعيد رسم الواقع انطلاقاً من مزج الصورة الفوتوغرافية بالتشكيل. لوحات تدفعك إلى الكلام أكثر، مما تطلب منك الإنصات. تجلي الأعمال الموزعة عبر البهو وفي غرف تقع في طبقتين، سهو الكائن البشري وتوثبه على الفرح والانكسار. من خلال هذا المعرض الذي يستمر حتى 11 تموز (يوليو) المقبل، يستأنف المركز الثقافي الفرنسي في صنعاء نشاطه بعد توقف استمر نحو عام، فرضته الأحداث التي شهدتها العاصمة ومناطق يمنية عدة، على خلفية الاحتجاجات الشعبية المطالبة بإسقاط النظام.