حارس أمني، عامل في ورشة أو مسؤول عن ركن السيارات في باحات المطاعم والفنادق أو نادل... وغيرها الكثير من الأعمال تجمعها نقطة مشتركة واحدة: كلها وظائف موقتة، وغير مستدامة وباتت تُعتبر «الخبز اليوميّ» لآلاف المواطنين اللبنانيين الذين أقفلت أمامهم الأبواب لإيجاد وظيفة ثابتة تؤمن لهم الضمانات الأساسية والحماية لهم ولعائلاتهم. ففي دراسة حديثة للجمعية الاقتصادية اللبنانية تبيّن أنّ «30 في المئة فقط من العمّال في لبنان هم موظّفون في شركات رسمية، أمّا باقي الموظّفين فيعملون في وظائف موقتة أو غير رسمية». وتعتبر هذه النسبة مؤشراً الى مخاطر عالية ليس على الصعيد الاقتصاديّ فقط وإنما الاجتماعيّ أيضاً، اذ ترتبط بالطبقتين المتوسطة والفقيرة تحديداً، إذ ترهن مستقبل العائلات بالقرارات الموقتة للشركات الموظِّفة وتحرم العمّال من حقوقهم الأساسية، كالانتساب إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بالإضافة إلى التقديمات العائلية والتعليمية. أمّا الرابح الأكبر فيتمثل بالشركات التي تجد نفسها غير ملزمة بأي شيء تجاه العامل إذا كان يعمل بدوام نصفيّ أو بشكل موقت، وهذا ما يوفّر الكثير من التكاليف المالية عليها، خصوصاً أنّ لا رقابة مشدّدة من قبل السلطات الحكومية على الشركات لدفعها الى تثبيت الموظّفين الذين يعملون بشكل مستمر في المكان نفسه. طرد من دون إنذار وأسوأ المخاوف التي يمكن ان تواجه اللبنانيين من عمال غير مثبّتين رسمياً في شركات أو حتّى وجود أي عقود بين الطرفين، هي عملية الطرد من دون إنذار، مهما كان أداء العامل جيّداً. وفي لحظة واحدة يمكن إنهاء عمل الموظّف غير المثبّت ومن دون أي تعويضات مالية، ليجد المواطن نفسه يبحث من جديد عن وظيفة أخرى موقتة بعدما أصبحت الوظائف الثابتة نادرة، خصوصاً بالنسبة للذين لم يحصّلوا اي شهادة جامعية. وفي هذه الحال لا يمكن للعامل تقديم أي مراجعة أو المطالبة بحقّه. كريم نموذج من هؤلاء، عمل لمدّة 5 سنوات في شركة خاصة كجابي للفواتير بدوام يمتد لست ساعات يومياً، وتمّ الاستغناء عنه بطريقة مفاجئة من دون أي إنذار بحجة ضرورة تقليص النفقات. ويعتبر أنّ من يعمل في وظيفة موقتة يعيش حالة قلق مستمر، خصوصاً أنّه لن يجد أحداً الى جانبه حين يمر بأزمة صحية أو مالية. ويلفت الى أنّ مثل هذا العمل يحرم الشخص من إمكانية التقدّم، إذ لا يمكنه تقديم طلب للحصول على أي قرض ولو كان المبلغ المطلوب صغيراً لأنّ المصارف تطلب إفادة عمل مثبتة. ورغم كلّ هذه المساوئ، فإنّ اللبنانيين يضطرون الى القبول بشروط العمل الموقت، وهذا ما تؤكده المسؤولة في وكالة متخصّصة بالتوظيف كارن عبدالله، اذ تشدّد على أنّ الشركات في لبنان باتت تفضل العمال الموقتين أو بنصف دوام لكي لا يكون لديها التزامات تجاههم. وتعطي عبدالله مثالاً على ذلك أنّ كبرى المكتبات والمطاعم والفنادق في لبنان تعمد الى التوظيف لملء الشواغر في قاعدتها العمّالية، وجميعهم يتقاضون رواتبهم بحسب ساعات العمل. ويمكن للشركة أن تستغني عن أي منهم في أي لحظة كانت، و»هذا ما يزيد من وطأة الحمل على العمال الأكبر سناً الذين لا يمكن أن يقبلوا بمثل هذه الظروف لأنّهم يعيلون أسرهم ويحتاجون الى تأمين الحدّ الأدنى من المدخول والضمانات الاجتماعية». الشركات مجبرة أيضاً؟ اللوم الأول في هذه القضية يوجّه الى المؤسسات الخاصة كما العامة، التي تسجّل فيها أيضاً أعداد لموظّفين يعملون من دون تثبيت كما في حال العمّال المياومين في شركة كهرباء لبنان، لكنّ هذه الشركات أيضاً لها رأيها المناقض لآراء العمّال. ويوضح المسؤول عن إدارة الموارد البشرية في إحدى المؤسسات الخاصة الكبرى في لبنان غابرييل إسماعيل، أنّ الشركات اصبحت ملزمة بإيجاد الحلول لمشاكلها المالية أيضاً خصوصاً أنّ الفترة الراهنة لا تشهد استقراراً أمنياً أو سياسياً على الصعيدين المحلي والإقليمي. وبالتالي فإن المؤسسات تجد في العمالة الموقتة سبيلاً لتأمين الإنتاج الذي تحتاجه من دون أن تضطر الى إلزام نفسها بعقود طويلة الأجل. ورغم أنّ إسماعيل يرى في شيوع هذه الظاهرة دماراً للأسر اللبنانية، على اعتبار أنها تمنع العمال من الاستفادة من أقلّ الضمانات الممكنة، فهو يؤكد أن الحل ليس بيد الشركات الخاصة إنما ذلك يعود الى الإستراتيجيات الاقتصادية الخاطئة المعتمدة من قبل الحكومات المتتالية. ولا ينفي إسماعيل قيام العديد من كبرى الشركات بالاستغناء تدريجياً عن الموظفين الذين يتجاوز عمرهم الأربعين سنة والاستعاضة عنهم بالأصغر سناً الذين يقبلون بالعمل لقاء أجر مرتبط بالساعات التي يعملوها ومن دون أي عقد إلزامي. ومهما كانت الأسباب التي تغذّي ظاهرة العمالة الموقتة في لبنان، فإن الاتجاهات الحالية لسوق العمل تُنبئ بأنّ المأزق الاقتصادي والمعيشي للأسر اللبنانية سيزداد حدّة، خصوصاً إذا تتالت الهزّات الأمنية، واشتدت حدّتها ما يؤدي الى إبعاد الاستثمارات. وإذا كانت الفرصة ما زالت مُتاحة أمام الفئات الشابة للهجرة، فهناك معيلون أكبر سنّاً يبحثون بدورهم عن فرصة لإظهار إمكاناتهم في وظيفة ثابتة، تؤمن لهم الحدّ الأدنى من مستوى العيش اللائق.