لو قدِّر لأحد أن يعيد عجلة الزمن إلى وراء سنوات قليلة، ويتحدث عن الدور الذي ستلعبه شبكات التواصل الاجتماعي في الحياة اليومية لمئات الملايين من البشر، لظن من يسمعه انه خرج للتو من فيلم هوليوودي عن الخيال العلمي. مَن كان يتصور أن شبكة «فايسبوك» مثلاً، ستغدو بعد سنوات على تأسيسها، ثالث أكبر «دولة» في العالم بعد الصين والهند بعدد «مواطنين» يتجاوز 850 مليون شخص؟ الجيد أن «الدول» الافتراضية تتسع وتنمو بسرعة خارقة، من دون الحاجة إلى حروب وكوارث تتسبب فيها الرغبة المدمرة في السيطرة على الموارد وفتح أسواق جديدة، وحتى إذا سجِّلت خسائر فهي أيضاً افتراضية لا تصل إلى حد سفك الدماء. ويفيد الخبراء بأن استخدام الإنترنت ينمو سنوياً في العالم بنسبة 50 في المئة، إذ تنضم شهرياً ملايين جديدة إلى شبكات التواصل الاجتماعي التي باتت تُستخدم ليس فقط للتعريف بالأشخاص والبحث عن أصدقاء أو علاقات جديدة، بل كذلك لتطوير أدوات التواصل في كل المجالات، خصوصاً على صعيد الترويج والدعاية. قد يكون اليوم الذي يغدو الاعتماد فيه لتطوير النشاط التجاري اعتماداً كاملاً على «دكاكين افتراضية» ما زال بعيداً إلى حد ما، لكنه بالتأكيد يقترب بسرعة متزايدة. وتشهد السوق التي باتت تُعرف باسم «بزنس أون لاين» اتساعاً مضطرداً بعدما بات الاعتماد عليها كبيراً بالنسبة إلى رجال المال والأعمال، بسبب الدور المتزايد لشبكات التواصل في الحياة اليومية للمواطن. وفي روسيا، أقر أكثر من 60 في المئة من مستخدمي الإنترنت أنهم لا يقبِلون على شراء سلع أو ارتياد مطعم جديد مثلاً، قبل أن يقرأوا تعليقات كتبها مَن «جرّب» السلعة أو المكان الجديد، واللافت أن التقويمات التي يضعها زوار الشبكة العنكبوتية تحظى بنسبة عالية من الصدقية بالنسبة إلى كثيرين. ودفع الأمر خبراء إلى الاهتمام بالتأثير المتنامي لشبكات التواصل، خصوصاً بالنسبة إلى الدعاية للمنتجات. وأظهرت دراسة أعدّها «مركز درس الرأي العام» أن 61 في المئة من الشركات الصغيرة والمتوسطة في روسيا باتت تستخدم شبكات التواصل الاجتماعي لجذب زبائن جدد أو الترويج لمنتجاتها، على رغم المخاوف من التأثيرات السلبية أحياناً لهذا الاستخدام، إذ إن الدعاية على الشبكة العنكبوتية وخلافاً للوسائل التقليدية للترويج، تحمل أخطار مواجهة آراء الجمهور المستهدف في شكل مباشر. ويكتب كثيرون في شبكات التواصل تعليقات سلبية في شأن منتج جرّبوه ولم ينل إعجابهم، محوّلين بذلك الدعاية إلى دعاية مضادة. لكن هذا لا يقلل من اهتمام رجال الأعمال في روسيا بالسعي إلى تطوير نشاطاتهم عبر الشبكات الإلكترونية. وتفيد الدراسة بأن 75 في المئة من الشركات الصغيرة والمتوسطة في روسيا لديها صفحات خاصة على شبكات التواصل الاجتماعي، بينما يبني 45 في المئة ممن يبدأون نشاطاً تجارياً خططهم للعام الأول، اعتماداً على الإنترنت في شكل شبه كامل. ويصل حجم سوق ال «بزنس أون لاين» في روسيا إلى نحو 15 بليون دولار، ويُتوقع أن يتضاعف مرتين عام 2015، لكنه يبقى ضعيفاً مقارنة بالحجم الإجمالي للسوق، إذ لا تزيد التعاملات «الرقمية» على 1.5 في المئة في مقابل 5.5 في المئة في الولاياتالمتحدة مثلاً. والفرق يعزوه خبراء إلى تعداد مستخدمي الشبكة العنكبوتية الذين تصل نسبتهم في الولاياتالمتحدة إلى 78 في المئة من السكان، في مقابل 46 في المئة في روسيا. ولكن، خلافاً للوضع في القارة الأميركية فإن استخدام الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي ينمو في روسيا بسرعات زائدة، وفي مقابل 30 في المئة من السكان فقط عام 2008، يُتوقع أن يزيد مستخدمو الإنترنت عن 60 في المئة عام 2015. ولا يقتصر الاهتمام بشبكات التواصل الاجتماعي على مروجي البضائع والسلع الاستهلاكية، إذ ظهرت دعوات إلى تأسيس شبكة تواصل خاصة بزبائن المصارف، لتطوير عملها، خصوصاً أنها واجهت خلال السنوات الخمس الأخيرة مشكلات كثيرة أسفرت عن إغلاق 158 مصرفاً روسياً. ويرى رجال المال أن العالم الافتراضي قد يشكل منقذاً إذا أُحسِن استخدامه في فترة وجيزة، لتجاوز أزماتهم.