العرب والمسلمون يفسرون كل فشل لهم أو إحباط بأنه مؤامرة صهيونية غاشمة، أو مؤامرة صهيونية أميركية، غير أن نظرية المؤامرة الأكثر شيوعاً في العالم تحيط بمجموعة بيلدربرغ، التي تعرف ايضاً باسم مؤتمر بيلدربرغ، او نادي بيلدربرغ. كتبت قبل عقود عن مجموعة بيلدربرغ ونظرية المؤامرة، وأرجح ان ذلك كان في «الديلي ستار» في بيروت، او «الشرق الأوسط» في لندن، وأعود إلى الموضوع اليوم لمجرد تسلية القارئ، محاولاً إبعاده ولو قليلاً عن السياسة العربية، وهي مؤامرة قائمة دائمة على المواطن العربي. في مطلع هذا الشهر عقد الاجتماع السنوي للمجموعة في الولاياتالمتحدة، وفي حين ان موسوعة ويكيبيديا الإلكترونية تقول إنه عُقد في فندق ببلدة شانتيلي بولاية فرجينيا، فإن مصادر أخرى أكدت أنه عقد في مبنى مكاتب قرب مطار دالاس الدولي في تكساس، ما يزيد الغموض ويؤكد نظرية المؤامرة، التي لا أؤمن بها شخصياً. أقول قبل أن أمضي في عرض نظرية مؤامرة أستبعدها على القراء، إن مجموعة بيلدربرغ اخذت اسمها من اول اجتماع لها في فندق بهذا الاسم في مدينة أرنهم في هولندا، من 29 الى 31/5/1954، برئاسة الأمير برنارد أمير هولندا، وهدفها المعلن تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي والدفاعي بين دول أوروبا الغربيةوالولاياتالمتحدة. غير أن أنصار نظرية المؤامرة يرون غير ذلك، ويعتقدون أن أعضاء بيلدربرغ مجموعة سرية من رجال السياسة والمال تحكم العالم من وراء ستار، وهم أحاطوا بمقر الاجتماع الأخير وهتفوا «حثالة، حثالة» مع دخول كل مشارك في المؤتمر، وأيضاً «أطلِقْ بوقَ سيارتك اذا كنت تكره النظام العالمي الجديد»، وقرأت لمن اعتبرهم حكومة ظل تحكم العالم، قال إنهم ينكرون وجودهم إلا أنهم موجودون. الاجتماعات السنوية تضم عادة بعض أركان الأسر المالكة الأوروبية، وسياسيين كباراً، وأصحاب بلايين ورجال صناعة ولوبيات وغيرهم. والمشاركون يُنصَحون بعدم الحديث علناً عن مواضيع البحث، ما يزيد شكوك اصحاب نظرية المؤامرة، إلا أنني قرأت أن جدول أعمال مؤتمر هذا الشهر تناول الثورة السورية وأزمة اليورو وانتخابات الرئاسة الأميركية القادمة. هي مواضيع تقليدية في أي مؤتمر سياسي هذه الأيام، غير أنني أستطيع أن أقدم للقارئ الذي يؤمن بنظرية المؤامرة ما يعزز شكوكه، فالمؤتمرات الاولى كانت في أوج الحرب الباردة، وهدفها تعزيز التعاون الأطلسي ضد الاتحاد السوفياتي، فكان الحاضرون من زعماء الدول الغربية وأركان اقتصادها. غير ان المؤتمرات الاخيرة اصبحت تشهد حضوراً لمحافظين جدد او ليكوديين اميركيين من أعداء العرب والمسلمين، مثل ريتشارد بيرل، داعية الحرب على العراق، التي لفق أنصار إسرائيل ومبعدون عراقيون أسبابها عمداً، بالإضافة إلى شخصيات أخرى من اليهود الأميركيين أصحاب البلايين الذين يؤيدون إسرائيل سواء كانت حكومتها يسارية او يمينية فاشستية كالحكومة الحالية. اذا لم تخنّي الذاكرة، فاهتمامي بالموضوع بدأ مع زميل وصديق اميركي اسمه بوب ليبلنغ، عمل في «الديلي ستار» وأنا أرأس تحريرها، وأخذته معي الى جدة عندما رأست تحرير «عرب نيوز»، وهو كان صديقاً للعرب وأحب المملكة العربية السعودية فبقي فيها عقوداً بعد ذلك، حتى تقاعده أخيراً، ولا أزال على اتصال معه. لا أزعم ان مجموعة بيلدربرغ مؤامرة لحكم العالم، إلا أنني أعرف أن كثيرين يعتبرونها كذلك، وثمة كتب كثيرة بالإنكليزية عن هذه «العصابة السرية» التي تحكم العالم، أما المقالات عن المؤتمرات السنوية فتفوق الحصر. وكان اهتمامي بمجموعة بيلدربرغ تجدد السنة الماضية عندما عقد المؤتمر السنوي في احد فنادق منتجع سان موريتز السويسري الذي كنت أقصده كل سنة مع العائلة عندما كان الأولاد صغاراً، وزاد الاهتمام هذه السنة والمجموعة تعلن عن مؤتمرها في مكان وتعقده في مكان آخر. ورأيت أن أراجع المؤامرة المزعومة مع القراء لإبعادهم عن المؤامرات الحقيقية التي تواجه الوطن. آخ يا وطن. [email protected]