العرب لم يكتشفوا نظرية المؤامرة، ولم يزيدوا عليها شيئاً، وإنما هم نسبوا كل فشل لهم الى «مؤامرة صهيونية»، أصبحت الآن «مؤامرة أميركية - إسرائيلية»، وكفى الله المؤمنين شر التفكير. فكرة المؤامرة حتماً ليست خصوصية عربية، فهي في كل زمان ومكان، والناس تبحث عن تفسير يناسب هواها أو تحاملها حتى وهو يصفع الحقيقة والمنطق والعقل في وجهها. وكنا سخرنا أخيراً من رجل دين إيراني قال ان إيران تتعرض للزلازل لأن النساء حاسرات ويرتدين التنانير الميني. طبعاً الإيرانيات محتشمات، بعضهن عن قناعة، وبعضهن لتجنب ضغوط الجمهورية الإسلامية، ولو كانت هناك علاقة بين زلزال وتنورة ميني لدمرت بلاد شمال البحر الأبيض المتوسط. وكانت مصر تعرضت لزلزال سنة 1992 وسمعنا الذي فرك يديه أسفاً وهو يقول ان الزلزال جاء لكثرة ما دفن في مصر من راقصات والبعد عن الدين. وتكرر الأمر عندما ضرب الإعصار كاترينا نيو أورليانز، فالمبشر بات روبرتسون سارع الى تفسير الكارثة بالفسق المنتشر في المدينة، وبعد الناس عن الدين. وهو حذر من كارثة تصيب البلاد إذا سمح لمثليي الجنس (الشاذين) بإعلان شذوذهم وهم يخدمون في الجيش بعد ان كان الوضع يحكمه مبدأ «لا تسأل، لا تخبر». وقد سمح لهم فننتظر الكارثة. وكنا سمعنا سنة 2007 عن احتجاز 14 سنجاباً تتجسس للغرب في إيران، وقالت أجهزة الاستخبارات الإيرانية انها كانت مزودة بأجهزة من صنع استخبارات عدوة. وسمعنا أخيراً أن الموساد وراء سمك القرش الذي عضّ السيّاح في بحر شرم الشيخ، وأن الموساد أرسلت أيضاً نسراً اعتقلته السلطات المصرية بعد أن وجدته يحمل بطاقة تقول «ر 56 جامعة تل أبيب». ما سبق يكاد يكون مضحكاً، إلا أن قضايا أخرى تفسر بوجود مؤامرة لا يمكن إنكارها بسهولة، وقد تلقيت أخيراً خبراً يقول ان الموساد قتلت 530 عالماً وأكاديمياً عراقياً بالتعاون مع سلطات الاحتلال الأميركية. الموساد قتلت علماء مصريين وايرانيين وعراقيين في حوادث معروفة، لذلك فالمؤامرة على العراق يسهل تصديقها، حتى إذا لم ترفق بأدلة قاطعة. وكنت أراجع الموضوع مع زميل «وطنجي» وأبدي شكي فغضب وقال: إسمع، الصهيونيون الأوائل دبروا انفجارات في العراق ضد أهداف يهودية لإقناع يهود العراق بالهجرة الى اسرائيل، وحتى بعد أن أصبح هناك اسرائيل ففضيحة «لافون» ثابتة، وقد حاولت الاستخبارات الإسرائيلية ضرب أهداف أميركية وبريطانية في مصر سنة 1954 للإيقاع بين الحكم الجمهوري الجديد والولايات المتحدة وبريطانيا. وإذا كان الإسرائيليون يفعلون هذا باليهود وبحلفائهم، فلماذا تستبعد ان يقتلوا علماء عراقيين؟ لم أجد جواباً وعدت أبحث عن مؤامرات أخرى، ووجدت في بريدي الإلكتروني موضوعاً في 36 صفحة عنوانه «ست شركات صهيونية تملك 96 في المئة من الميديا العالمية». كانت المعلومات تفصيلية، وخمس من الشركات الست يرأسها يهود والرابعة بينها هي نيوز كورب التي يرأسها روبرت مردوخ، وهو غير يهودي، إلا ان رئيس الاستديوات في الشركة يهودي. وقد حاولت أن أتحقق من بعض أسماء الشركات ورؤسائها عبر «غوغل» ووجدتها صحيحة. وأرجّح ان التحقيق الذي تلقيته قبل أسبوعين قديم لأنه يقول ان أهم ثلاث جرائد أميركية وهي: «نيويورك تايمز» و «واشنطن بوست» و «وول ستريت جورنال» يملكها يهود، غير ان الجريدة الأخيرة يملكها مردوخ الآن. طبعاً التحقيق يخلص من هذا كله ليقول إن السيطرة على الميديا العالمية مؤامرة صهيونية للسيطرة عبرها على العالم. وفي حين انني قد أقبل المعلومات، فإنني لا أقبل نظرية المؤامرة، لأنني لا أعتقد بأن مالكي الميديا اليهود اجتمعوا بليل واتفقوا على تقاسم الإعلام العالمي. المعلق الأميركي البارز روجر كوهن كتب قرب نهاية الشهر الماضي مقالاً عنوانه «العقل العربي الأسير» أو المحتجز الذي يفسر كل شيء بالبحث عن المستفيد ويجد اسرائيل. ولا خطأ في هذا، فالشرطة تبحث عن المستفيد لتعرف من ارتكب الجريمة، غير أنني أجد أسباباً أخرى لنظرية «المؤامرة الصهيونية» عند العرب أكمل بها غداً. [email protected]