كان المشاهد العربي على موعد ليل أول من امس مع الأب باولو دالوليو من خلال برنامج «استوديو بيروت» عبر قناة «العربية». اللقاء الذي تكلم فيه الراهب الإيطالي الذي قضى في سورية أكثر من 30 سنة ، وحوّل عبرها الدير المهجور الذي افترشه الرعيان إلى أكثر أديرة الشرق سحراً، كان لقاء وجدانياً ومن القلب. كلماته الروحانية التي نبعت من حرصه الكبير على الحوار الديني المسيحي- الإسلامي، وعلى الحرية والديموقراطية المنشودة التي ينادي بها الشعب السوري منذ أكثر من 16 شهراً، أسقطت ورقة التوت التي احتمى بها النظام السوري على مدى أربعين سنة من الدولة الأمنية. باولو الذي بدأ كلامه ب «السلام عليكم»، قال إن رجال دين في سورية يتلقون تعليماتهم من الأجهزة الأمنية في خطبهم ووعظهم. الرجل المشهود له بالنزاهة والصدق، أعلن مناصرته الكاملة للثورة السورية، وأوضح أن في سورية ثورة، وفي الوقت ذاته هناك حرب أهلية (بخاصة في محيط العاصي، كما قال). ولم يحمّل النظام السوري وحده المسؤولية إنما طالت أسهمه المجتمع الدولي الذي وقف متفرجاً على المجازر اليومية التي تقترفها قوات الأمن. «المسيحيون خائفون كما العلويون»، بهذه الكلمات رد باولو على سؤال عن موقف المسيحيين في سورية، وأضاف: «استطاع النظام السوري، عبر أربعين سنة، أن يخيف الطوائف والإثنيات في سورية من المسلمين، لكنني أؤكد بأن الواعين من المسيحيين والعلويين موجودون في السجون والمعتقلات السورية إلى جانب إخوانهم المسلمين». تعريج باولو على بعثة كوفي أنان كان مهماً جداً، إذ أوضح أن الديبلوماسية التي يتبعها فريق المراقبين متوقعة، ولا يمكنهم أن يدلو بدلوهم عما راقبوه في سورية في شكل واضح، على عكس المراقبين العاديين، وقصد هنا نفسه. وأكّد أنه بعث بأكثر من رسالة إلى الأممالمتحدة، مطالباً فيها بزيادة عدد المراقبين، ليصلوا إلى حوالى مئة ألف، وأضاف: «أنا مع التدخل المباشر في سورية لأنها الحل الوحيد لوقف الموت». وختم باولو حديثه بارتداء ألوان العلم السوري، وأغصان الزيتون التي تمثل الشهداء (وهم شهداؤنا كما عبّر)، مرفقة بكلمة المصالحة، وأكّد أن لا مصالحة من دون حرية الرأي وديموقراطية وإنسانية حقيقية، وقال: «سورية أنت فعلاً تتجهين إلى الخير والسلام والمصالحة». لافت في حديث الأب باولو استخدام حقه في المواطنة السورية، واعتباره أن جنسيته هي السورية، واستخدام تعابير مثل «في بلدي»، «في وطني»، ما يدل على الانتماء الكبير الذي يكنّه هذا الرجل الإيطالي لسورية. أياً يكن الأمر، وُفقت قناة «العربية» باستضافة الأب باولو في حديث مطول بعد طرده من سورية بناءً لرغبة القيادة السورية والأجهزة الأمنية، لكنّ الأهم في هذا اللقاء الحقائق الكثيرة التي أوردها الرجل الوسطي الذي يعتبر واحداً بين أبرز الشخصيات المسيحية في الشرق الأوسط. ولا شك في أن ما قاله عن الأمن والجيش ومعاناة السوريين من القمع والحرب الأهلية وتبعاتها والدولة الأمنية التي تحكم سورية وقضايا السلم الأهلي ودور المجتمع الدولي في حماية المدنيين، من القضايا المهمة والجدلية. ردود الفعل على اللقاء جاءت مباشرة من بعض السوريين، وكتب النجمة السورية مي سكاف على صفحتها على «فايسبوك»: «عندما يتكلم الأب باولو أبكي وعندما يتكلم السياسي لا أفهم شيئاً»... فيما كتب الرسام علي فرزات: «الأب باولو... كم تمنيت أن تكون مفتي الجمهورية».