وصلت الأزمة السياسية العراقية الى مستوى تحد بين أطراف أساسية من التحالف الوطني، فقد قرر المجلس الاعلى عدم سحب الثقة من رئيس الوزراء نوري المالكي، وأن لا يحضر أي اجتماع بهذا الخصوص، ففي اجتماع بين المالكي ورئيس المجلس الأعلى الإسلامي عمار الحكيم حصل الأول على ضمانات بعدم استجابة المجلس الأعلى إلى أي صوت يندد بسحب الثقة من الحكومة في مقابل ان يغلق رئيس الوزراء ملف هيئة الحج والعمرة التي يرأسها أحد قيادات المجلس فضلاً عن عدم محاولة فتح ملف أمين بغداد من جديد وعدم التصويت على اقالة رئيس الوزراء، مبيناً أيضاً ان دولة القانون بدأت حراكها لإدخال المجلس الأعلى معها في الانتخابات المقبلة. يبدو ان لغة التحدي لم تقتصر على أطراف سياسية من خارج التحالف الوطني، وانما وصلت الى مكونات رئيسية للتحالف، ففي الوقت الذي رفض فيه المجلس الأعلى سحب الثقة من المالكي، أصر التيار الصدري على المضي في موضوع سحب الثقة، والاصطفاف مع التحالف الكردستاني والقوى السياسية الأخرى التي تسعى الى سحب الثقة وإيجاد بديل للمالكي في رئاسة الوزراء. فقد كشفت المتحدثة باسم القائمة العراقية ميسون الدملوجي، أن كبار القادة الممثلين للتحالف الكردستاني وكتلتي العراقية والتيار الصدري أقروا بصفة نهائية سحب الثقة من حكومة المالكي. وقالت الدملوجى إن القيادات السياسية بدأت الآن فى التوجه الى منتجع دوكان قرب مدينة السليمانية للقاء الرئيس جلال طالباني من أجل إنهاء هذا الأمر. ويأتي هذا القرار بعد أن لوح النائب فى البرلمان العراقي عن ائتلاف دولة القانون علي الشلاه بتشكيل حكومة غالبية وإلغاء اتفاقية أربيل المبرمة بين الكتل السياسية العراقية إذا أصر بعض الأطراف على سحب الثقة من الحكومة. ورغم ايداع رئيس الجمهورية جلال طالباني استقالته لدى مسعود بارزاني من اجل توحيد موقف التحالف الكردستاني من حكومة المالكي، إلا أن موقف طالباني لا يزال غير واضح بخصوص سحب الثقة من عدمه، فقد قال النائب عن ائتلاف دولة القانون هيثم الجبوري إن رئيس الجمهورية رفض طلباً غير رسمي قدمه رئيس البرلمان لسحب الثقة من المالكي، الى ذلك أكد مسؤول تنظصيمات اربيل للاتحاد الوطني الكردستاني سعدي احمد بيره ان طالباني سيسعى لتقريب وجهات النظر بين القوى السياسية. هذه المواقف والتصريحات عقدت الأزمة وساقتها الى مزيد من الاصطفاف والاستقطاب السياسي ،لا سيما مع تحركات المالكي الأخيرة في عقده اجتماعات الوزراء في كركوك ونينوى، ومحاولته كسب تأييد أبناء محافظات نينوى وصلاح الدين عبر «دغدغة» مشاعرهم بتشكيله لجنة لإعادة ضباط الجيش العراقي السابق في نينوى الى الخدمة ووعوده بحل مشكلة المتجاوزين بتخصيص وحدات سكنية لهم وللفقراء من أهالي المحافظة، وكذلك قراره اعادة ضباط الجيش العراقي السابق من أبناء محافظة صلاح الدين الى الخدمة من رتبة فريق فما دون، أسوة بالقرار الذي اتخذه بهذا الخصوص في نينوى. محاولات المالكي في كسب ثقة أبناء محافظات محسوبة سياسياً على القائمة العراقية هي إشارة واضحة الى استفزاز قيادات العراقية المطالبين بسحب الثقة من الحكومة، فكان الأجدر بالمالكي ان يتحلى بالجرأة ويقدم إغراءات أكثر دسامة لأبناء تلك المحافظات بإطلاق سراح أبنائهم المعتقلين في سجون الحكومة السرية والعلنية وتبلغ اعدادهم عشرات الآلاف، غالبيتهم اعتقلوا من دون مذكرات قضائية وأدلة تثبت ارتكابهم جرائم! بعد تسع سنوات من عمر الاحتلال وعمليته السياسية وأزماتها المتلاحقة، ينبغي على شعب العراق ان ينأى بنفسه عن صراعات أقطاب العملية السياسية، وان ينظر الى كل أشخاصها ورموزها وقادتها نظرة متساوية، فقد جربنا عبقريتهم بكيفية التعامل مع الأزمات والتي انعكست كوارث على العراقيين، وتبدل مبدأ المفاضلة في اختيار قادة السلطة وصُناع القرار بين السيئ والحسن، والفاضل والافضل الى السيئ والأسوأ، فليس من منطق يبرر بعد ذلك ان نأمل خيراً من ساسة غلّبوا مصالحهم الشخصية على مصلحة الشعب، واحتكموا الى حكام طهران وواشنطن وأنقره في البحث عن حلول لأزماتهم بدل الاحتكام الى الشعب والمواطنة والدستور.