منذ أكثر منذ عشرين عاماً والباحث والروائي الكوبي ريغوبرتو منيندث باريديس (1963)، الحاصل على الدكتوراه في علوم التاريخ ومدير «متحف بيت العرب» في العاصمة الكوبية هافانا، يواصل الاشتغال على الوجوه المختلفة للثقافة العربية وبالتحديد البصمة التي تركتها في كوبا وبقية بلاد أميركا اللاتينية. وقد فاز كتابه «العرب في كوبا» بجائزة جامعة هافانا عام 2007. وفي كتابه الجديد «عرب القصص والروايات» يتناول صورة المهاجر العربي في المخيلة السردية لأميركا اللاتينية. وكما هو معروف بدأت الهجرة العربية إلى أميركا اللاتينية منتصف القرن التاسع عشر، وتشكلت بداية من المهاجرين اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين ومعظمهم من المسيحيين الموارنة والأرثوذكس المقبلين من ولايات الدولة العثمانية، ومن هنا أطلقت على المهاجر العربي أسماء مثل التركي والسوري والمورو. وبطبيعة الحال تركت هذه الهجرة أثراً خاصاً في البلدان المضيفة و انعكس هذا في سرد الكثير من كتاب تلك القارة والذين تناولوا بطرق عدة، هذه الظاهرة. انتشر العرب في معظم بلدان القارة ومع أن تم الترحيب بهم واستقبالهم بأذرع مفتوحة في معظم الأحيان إلا أن في بعض الحالات كانت العملية مؤلمة مثل تشيلي وكولومبيا، ولكن بمرور الوقت، اندمجت الجاليات العربية في مجتمعات أميركا اللاتينية حتى وصل بعضهم إلى مناصب سياسية بارزة كرؤساء للدول مثل خوليو سيثار تورباي أيالا في كولومبيا وكارلوس منعم في الأرجنتين، بعد أن كانت الصورة النمطية في البداية هي صورة التاجر الجوّال الذي ينتقل من موضع إلى آخر من دون الاعتناء بهندامه ولا بتعلم لغة البلاد. من بين الأسماء الكبيرة نجد غابرييل غارثيّا ماركث (ماركيز) وجورجي أمادو وإيسابيل أيّيندي وخورخي لويس بورخيس وأدولفو بيوي كاساريس، و نجد كتاباً من أصول عربية مثل الكولومبي لويس فياض الذي يكشف عن المشكلات التي عاناها المهاجرون الأوائل في كولومبيا وهناك التشيلي فالتر غريب والذي يتناول في أعماله صدمة الهجرة إلى تشيلي. تعد شخصية «سانتياغو نصّار» في رواية غارثيا ماركث «وقائع موت معلن» هي الشخصية العربية الأشهر في السرد اللاتيني على رغم أن الرواية لا تتعاطى مع مسألة الهجرة في شكل مباشر بل مع مسألة الشرف، إلا أن شخصية المهاجر العربي هي موضوع متكرر في روايات غارثيّا ماركث فنجده يقوم بإدراج شخصيات من أصول عربية في روايتيه «ساعة نحس» و «ليس للكولونيل من يكاتبه». على أن حالة «مئة عام من العزلة» تبدو شيقة، فالمجتمع العربي هناك يأخذ في النشوء والنمو والضعف بالتزامن مع القرية الأسطورية «ماكوندو». ثمة روايتان من روايات الكاتب البرازيلي الكبير جورجي أمادو تحويان شخصيات عربية وهي «غابرييلا وقرنفل وقرفة» و «كيف اكتشف الأتراك أميركا». في الرواية الأولى ثمة قصة حب بين السوري نصيب والخلاسية غابرييلا وفي الثانية هناك أربع عشرة شخصية من أصول عربية ويؤكد الباحث الكوبي أنها رواية الهجرة العربية بامتياز. رواية التشيلية إيسابيل أيّيندي «إبا لونا» تعرض لشخصية عربية خيرة لصاحبها رياض حلبي وهو رجل بلا عيوب سوى عيب جسدي يتمثل في شفته المشقوقة (الأرنبية) وهو شخص طيب يصالح بين الناس في القرية ويقوم بمساعدتهم والتوسط لهم. يشير الباحث كذلك إلى أن الشخصية العربية في العموم تظهر في السرد اللاتيني كشخصية إيجابية إلا أن ثمة حالات قليلة لا تظهر فيها على هذه الشاكلة. في كتابهما المشترك «ست معضلات من أجل السيد إيسيدرو بارودي» قام خورخي لويس بورخيس وأدولفو بيوي كاساريس (وقّعاه باسم: أونوريو بوستوس دوميك) بكتابة قصة بوليسية عنوانها «اثنتا عشرة شخصية من العالم». في هذه القصة تناولا موضوع العربي في شكل عرضي وسريع حيث نرى مجتمعاً غير معروف كثيراً، ألا وهو مجتمع دروز لبنان الذي ينطوي على بعض الطقوس الباطنية الغريبة، وتعالج القصة جريمة قتل في جمعية إخوانية للدروز في إحدى القرى الأرجنتينية. أما بالنسبة إلى كوبا فإن تناول شخصية العربي في الأدب تعد نادرة للغاية ويعود هذا في رأي الباحث إلى أن كبار الكتاب الكوبيين، مثل أليخو كاربنتيير، لم يتوقفوا لمعالجة هذه المسألة. نجد فقط إشارة وحيدة إلى الشخصية العربية في رواية للكاتب الكوبي ذي الأصل السوري أنطون عرفات يتحدث فيها وفي صفحتين فقط عن إحدى الشخصيات الشامية. بقي أن نشير إلى أن الكتاب تمت طباعته بالتعاون مع البيت العربي في مدريد وقام الباحث بتقديمه هناك قبل أيام بالاشتراك مع المستعربة روسا إيسابيل مارتينيث.