حول بناء استراتيجية لبناء أمن فكري طويل الأمد، ذكر الحاج أن هناك استراتيجيات عدة للتقليل من مصادر خروج الجماعات على بعض الأنظمة السياسية لعل أشهرها استراتيجية «تجفيف الينابيع»، التي تعمل على تجفيف مصادر الفكر الذي يرتكز عليه عمل زعزعة استقرار النظام السياسي (اشتهرت بعض البلدان العربية بتطبيق هذه الاستراتيجية الصارمة، مثل: سورية وتونس)، غير أن مبدأ تجفيف الينابيع في واقع الأمر هو «قمع» لهذه الينابيع، وليس تفكيكاً لها. وزاد: «في إطار هذه الاستراتيجية أغلقت الحدود على كل المصادر الفكرية وعلى أصحاب الفكر، وعولج الأمر بقسوة أمنية رهيبة تمتد من الفاعلين الحقيقيين إلى ذويهم وأصدقائهم الأبرياء... صحيح أن هذه الاستراتيجية أثبتت نجاعتها، لكنها حتى نجحت ارتكبت انتهاكات لا حدود لها لحدود الله وحقوق الناس بما لا يقره شرع ولا دين ولا عقل». واقترح الحاج نقطتين للحلول يقول: «إن أفضل ما يبدو لنا في استراتيجية لمواجهة الأمن الفكري ومصادره على الجماعة هو اشتقاق حلول وإجراءات تقوم على جانبين. أولاً: العزل لمصادر الأمن الفكري عن الجماعة والمجتمع الدولي عبر تجريديها من مصادر دعمها الاجتماعي والسياسي، ثانياً: تفكيك مصادر الفكر المؤسسة لتهديد الأمن الفكري. وأوضح أن هذه الفلسفة تقوم على أن مواجهة مصادر العنف لا تكون بمزيد من العنف، بل بخفض العنف إلى أدنى مستوى ممكن. وشرح كيفية تطبيق الاستراتيجية التي دعا إليها بالقول: «في ما يخص تطبيق النقطة الأولى من الاستراتيجية فإن تحقيق عزل مصادر تهديد الخطر الفكري المتمثل جماعات سياسية أو دينية ونجاحه لا يتحقق إلا بأن تكون الحلول الأمنية ذات الطابع العسكري وكذلك العقوبات الجنائية (الحدودية والتعزيرية) مبنية على أسس شرعية متينة، وما نعنيه بمتينة أن يكون المستند الشرعي مما هو معروف ومقبول في أقوال جمهور العلماء، وليس من الأقوال الضعيفة أو المتروكة، ذلك أن الجماعة المسلمة مضطرة إلى الانصياع إلى أحكام الشريعة، وهو يضعف دعمها لمهددي الأمن الفكري». وأضاف: «لا يتم تعميم العقوبات الخاصة بالأفراد على الجماعات الداعمة لها دعماً معنوياً، وقصر العقوبات على الجناة الفعليين الذين قاموا بتهديد الأمن الفكري للجماعة، وهذا مبدأ شرعي، في هذه الحال يعطي فرصة للجماعة للتراجع عن دعمها لمسببي المخاطر على الأمن الفكري، بحيث لا يمارس العنف إلا بأقل حد ممكن، وبأقل قدر من الأضرار. وأن يفتح باب الصفح والعفو عن الفاعلين على مصراعيه ما لم يدانوا بجرائم قتل أبرياء عن عمد، وتطبيق أقصى التسامح الذي تتيحه أحكام الشريعة، ذلك أن الخارجين على النظام غالباً يخرجون بنوايا إيمانية طيبة وبدواعٍ فكرية، فغالباً ما يكونون شديدي التدين، غير أن المشكلة هي في فهمهم للدين، وقلة العلم وسوء الفهم إذا اجتمعا مع شدة التدين لا يأتيان إلا بالكوارث (تجربة السعودية والجزائر). وباب الصفح هو من مبدأ التعامل مع النوايا الطيب ومكافحة العنف بالسلم وليس بمزيد من العنف». وطالب بأن يتم العمل الفعلي على سد مواطن النقص في ما يخص مواضع يختل فيها العدل والإنصاف لسحب المشروعية التي تستند إليها الجماعات الخارجة على النظام والمهددة لأمنه الفكري، إضافة إلى سن قوانين رادعة تمنع تهديد الأمن الفكري، مثل القوانين التي تجرم التبشير الديني من دون أن تمنع حق أصحاب الديانات والطوائف المنشقة من ممارسة شعائرها بأمان واحترام، ويفترض أن يستند في قوانين تجريم التبشير إلى مبدأ حماية أمن الجماعة والنظام العام، والعمل على ضمان تطبيقها في محاكمات عادلة ونزيهة. ولفت إلى أنه يجب في هذه أن يراعى ما أمكن أن تجمع القوانين المسنونة بين أحكام الشريعة والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان على ألا تتعارض مع الشريعة، ذلك أن عدم مراعاة ذلك سيؤلب المنظمات الحقوقية الدولية ويضعف من موقف الدولة أمام المجتمعات الدولية ويمنح مهددي الأمن الفكري فرصة لتلقي دعم دولي كان بالإمكان أن يحرَموا منه. وأكد ضرورة أن تشعر الجماعة بأن الإجراءات المتخذة من أولي الأمر لحماية أمنها الفكري هو من أجل مصلحتها والحرص عليها، وهذا الشعور سيساعد الجماعة على تأييد الإجراءات ودعم أولي الأمر في حماية أمنهم، لأن ذلك في مصلحتهم وليس انتقاماً من أولي الأمر لأنفسهم ودفاعاً عن مواقعهم ومناصبهم.