ألهمت ثورات الربيع العربي التي كان أبطالها شباب أبدعوا في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الجديد لإيصال صوتهم، ألهمت عدداً من عمالقة تقنية المعلومات لخلق منصات إلكترونية مهمتها تقديم الأدوات اللازمة لتنظيم حركة أو إطلاق مبادرة جديدة، وميزتها تقديم التدريب اللازم لاستخدام أدوات الإعلام الجديد وتقديم استشارات تقنية وإعلامية و(حتى) قانونية مجاناً. تواصل معي أحد العاملين على مشروع «غوغل» الجديد Google Movements حين حضرت في نيويورك أخيراً وأبدى اهتمامه بسماع رأيي الشخصي عن الحركات الشبابية في دول مثل مصر وتونس وليبيا. لا أدعي الخبرة بما قاموا به، لكن تواصلي مع الكثير منهم على مواقع التواصل الاجتماعي جعلني أستنبط بعضاً من الدروس التي شرحتها له وقسمتها في أربعة مراحل: أولاً: مرحلة الاستعداد النفسي، لا تحتاج هذه المرحلة غير الرغبة الشخصية الصادقة في إحداث التغيير، والكثير من الشغف والإيمان بالتغيير اللذين جعلا الشباب يصمدون في مواجهة ما حدث في مراحل لاحقة. ذلك أن طريق التغيير ليس مفروشاً بالورود الحمراء بل بالجمر الأحمر وبالكثير من المقاومة الشرسة. سمعت من بعض أبطال الربيع العربي كيف جاءت الكثير من الحركات عفوية وغير مخطط لها، مدفوعة بالكثير من الإحباطات والآلام الشخصية. سمعت وقرأت أيضاً عن الكثير من التضحيات من الوقت والجهد والدموع التي قدمها هؤلاء الشباب حين سلكوا هذا الطريق. كيف انقلب الأصدقاء لأعداء في البداية أو لاحقاً بدافع الغيرة عند أول بوادر نجاح، كيف دخل الكثير من المتسلقين الذين لا يؤمنون بالقضية أكثر من بحثهم عن مكاسب شخصية بحتة وكل هؤلاء ستتم غربلتهم مع أول عقبة في الطريق، كيف طاولتهم الإشاعات والأكاذيب لتشوه صورتهم بما فيها تشويهاً لعدالة قضيتهم وتنفير الناس منهم حتى لا ينجحوا. ثانياً: مرحلة التخطيط والإعداد، معظم الحركات الشبابية بدأت يتيمة، مع عدد قليل جداً من المتابعين أو لنقل «المصدقين» بجدوى هذه الحركات وقدرتها على إحداث التغيير. ما عرفته عن بعضها أن العدد الذي بدؤوا به كان صغيراً جداً وعلى قدر من الثقة بينهم وفي الموقع الجغرافي نفسه لسهولة عقد اللقاءات الدورية وجمع الأفكار وتنقيحها قبل التنفيذ. في هذه المرحلة يتم بلورة الرسالة والرؤية والأهداف العامة التي ستجمع أعضاء الفريق على اختلاف مشاربهم، إضافة إلى الاتفاق على القيم المشتركة التي يجب أن تتوافر في جميع أعضاء الفريق. في هذه المرحلة يتم اختيار اسم وشعار موحد وحجز هذا الاسم في جميع وسائل التواصل الاجتماعي: صفحة «فيسبوك»، حساب «تويتر»، قناة «يوتيوب»، البريد الإلكتروني وغيرها. شاهدنا جميعاً كيف فشل البعض حين توقف عن المحاولة، وكيف نجح الكثير حين غيروا استراتيجياتهم تجاوباً مع التحديات الجديدة. لا يوجد الطريق «الصح» أو الخطأ، بل يوجد التجربة والتفكير الإبداعي والقدرة على خلق الحلول لتتناسب مع معطيات المشكلة. ثالثاً: مرحلة دع العالم يسمع، تبدأ هذه المرحلة بكتابة بيان صحافي وإرساله للصحف والمجلات والمراسلين الذين يهتمون بالشأن نفسه، ونشره أيضاً على وسائل التواصل الاجتماعي على «الانترنت» كصفحات «فيسبوك»، أو التواصل مع المهتمين بهذا الشأن على «تويتر» وغيره. عالمنا العربي يشاهد أكثر مما يقرأ، لذلك تجد المبادرات الشبابية تميزت بوجوه خرجت في الإعلام المرئي لتشرح فكرتهم وما يدعون له. هذه الوجوه غدت رمزاً للحرية والعدالة والأمل، وألهمت الكثير حول العالم. رابعاً: مرحلة التنفيذ وتشكيل الكتلة الحرجة، أي حركة شبابية بدون خطة عمل واضحة ستفشل سريعاً، لذلك يجب أن يكون هناك خطة عمل مع معالم طريق واضحة وخط زمني للتنفيذ. قيل من يفشل في التخطيط فقد خطط للفشل. كان لهذه الحركات الشبابية أهداف واضحة قطعت الطريق أمام التخرصات والتكهنات والإشاعات. ساهم أيضاً نشر التقارير الدورية ومشاركتها مع وسائل الإعلام لتوثيق العمل ولإبقاء المؤيدين في النور وللدعوة للأخذ بزمام المبادرة. هنا سيتم تشكيل كتلة من المجتمع ولو بسيطة تطالب بالتغيير، هذه الكتلة تسمى (الكتلة الحرجة) ولو نجحت في الضغط تجاه إحداث تغييرات بدأ المجتمع يتغير بالتدريج. قد يكون التغيير والتأثير الذي تحدثه هذه الحركات يصعب قياسه بالطرق التقليدية وقد يكون السبب لكونها تعمل بطرق غير تقليدية. وقد تجد التسخيف لأفكارهم لأنهم يعملون بطرق لم يعتد عليها الجميع، فلا يمكن فهمهم في حينها وقد يحاربهم الجميع في البداية لكن حتماً نجاحهم حتى وإن جاء بعد الكثير من الخطأ والتجربة والمحاولة هو خير ثمرة يجنونها. ولنتذكر أن «التغيير يبدؤه مغامر، وينفذه شجاع و يقطف ثماره جبان». [email protected] manal_alsharif@