أوضح أستاذ الاقتصاد في كلية «إنسياد» العالمية لإدارة الأعمال، أنطونيو فاتاس، ان ثقل الانتاج والنمو الاقتصادي كان في الغرب في ثمانينات القرن العشرين، لكنه سيكون في الشرق بحلول 2050، اسوة بالقرن السادس عشر حين كان 80 في المئة من الناتج العالمي مصدره آسيا. وأضاف ل «الحياة» على هامش ندوة لجمعية خريجي «إنسياد» - فرع لبنان باسم «تحديات الاقتصاد العالمي الجديد: هل نحن في عصر ما بعد العولمة؟» في بيروت، ان الدول الصناعية انتجت 51 في المئة من الناتج العالمي العام الماضي (20 في المئة في الاتحاد الأوروبي و19 في المئة في أميركا)، والدول النامية والناشئة 49 في المئة (14 في المئة الصين)، ولفت إلى ان هذا الاتجاه للثقل الاقتصادي العالمي شرقاً «تلقائي»، إذ سيشكل سكان الدول المتطورة 1.4 بليون شخص فقط من أصل 8.7 بليون عالمياً بحلول عام 2050. وأشار فاتاس إلى ان دولاً نامية بدأت بفضل نموها تقترب من حصة الفرد من الناتج المحلي الأميركي، وهي الأعلى عالمياً وتبلغ 50 ألف دولار، موضحاً ان هناك دولاً نامية تنمو بوتيرة اسرع من الدول الغنيّة لأنها فقيرة وتستثمر النسبة الأكبر من إنتاجها السنوي بدلاً من ان تستهلكه، كالصين التي تستثمر نحو 40 في المئة من انتاجها السنوي، في حين هناك دول نامية لا تنمو بطاقتها الكاملة وستبقى فقيرة لأنها لا تستثمر في شكل كاف. ولفت إلى ان الاصلاح الاقتصادي لا يكفي وحده، بل يجب ان يترافق أو يتبَع بالإصلاح المؤسسي، إذ ان الصين اعتمدت الإصلاح الاقتصادي منذ 1979، لكنها تلكأت في الإصلاح المؤسسي، في حين ان بولندا اعتمدت الإصلاح المؤسسي منذ 1990. وحول الأزمة الأوروبية، اشار إلى انها لم تكن ازمة سياسات مالية في البداية، لكنها اصبحت كذلك لاحقاً، ولم تكن مشكلة عدم قدرة اليورو على المنافسة، بل كانت مشكلة كساد اقتصادي، بعدما عززت دول كأميركا واليونان وإسبانيا وإرلندا إنفاقها عبر الاستدانة من الصين واليابان وألمانيا والدول النفطية. ولفت إلى ان الإنفاق لم يكن حكومياً بل جاء معظمه من القطاع الخاص، الذي استثمره في القطاع العقاري، لاعتقاده ان هذه البلاد ستنمو بقوة وستستقطب سياحاً ومستثمرين بأعداد كبيرة. وحول الحلول المطروحة للأزمة، اشار إلى ان الدول المدينة تقول للدائنة: «دعونا نتشارك في الخسارة»، في حين ان الدول الدائنة تدعوها إلى «التوفير والتقشّف»، لكن علمياً «لا يمكن لكل الدول ان تختار التوفير، لأن دخلها سيتراجع وسيحصل كساد». وحول إمكانية الحصول على مساعدة مالية من الصين، اوضح ان «أوروبا لديها ناتج محلي إجمالي اعلى بكثير من الصين، وهي غنيّة ويمكنها إنقاذ دولها». وتابع ان القطاع المصرفي عالمياً لطالما تعرّض لأزمات فرضت على السلطات التدخل لإنقاذه. وعبّر عن تفاؤله باستمرار عملة اليورو، وإن اضطرت اليونان «مسيّرة لا مخيرة» إلى الاستغناء عنها والعودة إلى الدراخما، فهذه الخطوة «لن تكون مجدية اقتصادياً لليونان». فيرميلان وأشار أستاذ التمويل الدولي وإدارة الأصول في «إنسياد»، ثيو فيرميلان ل «الحياة» على هامش المناسبة ذاتها، إلى ان السياسيين في شكل عام يؤمنون بوجوب حفز المواطنين على تملّك عقارات سكنية، علماً ان تسييل العقارات ليس سهلاً ويتطلب وقتاً. وحول رأيه في الحلّ الأفضل لمشكلة البطالة في أوروبا، أشار إلى أهمية خفض الحدّ الأدنى للأجر وتسهيل إجراءات تسريح العمال، وقال: «في حين ان رأس المال والسلع والخدمات قابلة للانتقال عبر الحدود إلا ان انتقال العمال أصعب». وأكد انه «مع النظام الرأسمالي لأنه دافع نحو الأفضل في خفض الفوارق الاجتماعية»، إذ ان «حفز الرأسمالية يحقق عالم أفضل للجميع في معظم الأحيان»، لافتاً إلى ان «النظام الرأسمالي قائم على الثقة، التي قد تهتز في وقت الأزمات». وعزا سبب الأزمة المالية العالمية الأخيرة إلى «الرقابة الضعيفة والنوايا الجيّدة، لكن ذات نتائج سيئة». واتّهم مناهضي الرأسمالية بأنهم «يسعون إلى تمرير أجندتهم السياسية». وتابع ان الأسواق تعطي معلومات عن «أين يجب ان تذهب الأموال»، لكنها مؤشر فاعل للحاضر وقد تخفق في توقع المستقبل في بعض الأحيان، فتحصل الأزمات. وأوضح ان الإحصاءات اشارت إلى انه بدءاً من الفصل الأول من عام 2007 تراجعت القيمة السوقية لأسهم 18 مصرفاً أميركياً كبيراً نسبة إلى أصولها. ولفت إلى ان التنافس عالمياً جعل التوقعات صعبة، وأصبحت العلاقة مترابطة اكثر وبقوة بين اسواق المال العالمية، فتعززت الأخطار، وأصبحت العمليات المصرفية المعولمة تشكل خطراً على دفاع الضريبة المحلي، كالذي حصل في أوروبا. وأضاف ان تفاعل السلطات المالية عالمياً مع الأزمة كان التشدد في متطلبات «بازل» لرأس المال المصرفي، فكانت النتيجة لجوء المصارف إلى شراء سندات حكومية لخفض ثقل أخطارها، في مقابل توقّف التسليف المصرفي وانعكاس ذلك سلباً على النمو الاقتصادي. وتابع ان مشروع منطقة اليورو كان قراراً سياسياً اكثر منه اقتصادياً، ولفت إلى اعتقاد «خاطئ» شائع بين العامة في أوروبا بأن الدستور الأوروبي يفرض على الدول إنقاذ جاراتها في أوقات الشدّة.