يؤكد رئيس ائتلاف «العراقية» أياد علاوي أن لا مجال للتراجع عن نهج التصدي لما يعتبرها «ديكتاتورية ناشئة» في العراق، تتمثل في «انفراد رئيس الوزراء نوري المالكي بالسلطة»، موضحاً في حوار مع «الحياة» أن «إيران وأميركا تدعمان وجود المالكي في السلطة». لكنه يحذر من مغبة التدخل في الشأن العراقي، ويعلن أن «القوى العراقية التي اتفقت على تنسيق مواقفها في اجتماعي أربيل والنجف ستواجه بلا كلل التدخل الخارجي من أي جهة كانت». ويكشف رئيس الوزراء العراقي السابق أن قضية سحب الثقة من رئيس الوزراء نوري المالكي كانت باقتراح من رئيس الجمهورية جلال طالباني خلال مشاركته في اجتماع أربيل أواخر نيسان (أبريل) الماضي. وهنا نص الحوار معه: الأزمة السياسة العراقية دخلت مساراً متشعباً عبر قضية سحب الثقة من رئيس الوزراء نوري المالكي، هل تتوقع أن تمضي قدماً، أم إن هناك قوة خارج إرادتكم ستوقف المشروع؟ - هناك توافق سياسي بين أطراف سياسيين مهمين وشخصيات وطنية مهمة، منها «التيار الصدري» و «التحالف الكردستاني» و«القائمة العراقية» وشخصيات مستقلة، حول قضية التفرد بالحكم الذي بدأ في العراق وسينتهي بالديكتاتورية. هناك توافق بين هذه القوى أيضاً حول قضية التملص من تنفيذ «اتفاقية أربيل» التي جاءت بمبادرة من الأخ مسعود البارزاني وبموجبها ولدت الحكومة الحالية. هذا التوافق على إيقاف النمو باتجاه الديكتاتورية، وضمان التداول السلمي للسلطة، وعدم الموافقة على أن يكون هناك نظام فردي حزبي جهوي في العراق، وفّرت الفرصة لقوى سياسية مهمة لعقد اجتماع في 28 نيسان في كردستان برئاسة رئيس الجمهورية جلال طالباني، وكان طرح موضوع سحب الثقة من رئيس الوزراء، من قبل رئيس الجمهورية بحضوري وحضور البارزاني والسيد مقتدى الصدر. وفيما كان رئيس البرلمان أسامة النجيفي يتحدث عن طريقة سحب الثقة دستورياً، كان رأي رئيس الجمهورية هو أن الدستور يخوله سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء وعليه، لا يوجد سبب للاستفاضة في الأحاديث التي كان النجيفي يتناولها في الاجتماع. التوافق ليس على موضوع سحب الثقة فقط، إنما على التوجه العام في البلاد والذي أصبح على خطورة كبيرة وعلى ثلاثة مستويات، الأول مرتبط بالخروق الدستورية المريعة التي يقوم بها النظام الحاكم المتمثل برئيس الوزراء، الثاني ويتعلق بالتجاوزات البالغة الخطورة لحقوق الإنسان في العراق وهي في الوقت نفسه خروق للدستور، إذ أصبحنا نرى ونسمع ونعلم بوجود سجون سرية وتعذيب واعتقالات، الثالث هو الانفراد بالقرار السياسي، فنحن لا نعرف ماذا يجري في العراق وما هي التوجهات السياسية، ولا تتم استشارتنا، ليس كأشخاص، بل ككتل برلمانية في ما هو التوجه السياسي؟ قد يكون التوافق الوحيد الذي حصل هو الطلب من الولاياتالمتحدة مغادرة العراق لكن، نحن أيضاً طالبنا بأن يخرج العراق من الفصل السابع وبمعرفة ما الذي يحصل من حوارات وعلاقات مع إيران؟ هذه الأخطار تقوم على أرضية تم بها اختراق العراق وقراره السياسي عبر التدخل الإيراني. الآن كل المؤشرات تذهب نحو الآتي: المالكي يتصرف مدعوماً بقوة من إيران أولاً وأميركا ثانياً، إزاء هذا الوضع كيف ستتحركون؟ - الإرادة العراقية في مواجهة تسلط الحكم لن تتوقف بسبب المخاوف من إيران أو هيمنتها، ولا الخوف من الولاياتالمتحدة الأميركية، نتذكر جيداً عندما كان العالم مجتمعاً كله على دعم صدام حسين ونظامه، كنا معارضة ولم نبالِ بأميركا وغيرها في دعمها نظام صدام حسين، والآن ليس فقط أميركا من يدعم نهج التسلط الذي أصبح يعصف بالعملية السياسية، وإنما إيران أيضاً التي تفرض من يأتي رئيساً لمجلس الوزراء في العراق. ولا بد من أن تتوقف الهيمنة الإيرانية وتتراجع أمام إرادة الشعب العراقي. هناك مؤشرات إلى أن إيران ضد سحب الثقة ومع بقاء المالكي، ما الخطوة التالية؟ هل تتوقعون أن يصبح المالكي مع إسقاطه مشروع سحب الثقة، أكثر قوة في ثتبيت سلطته؟ - المالكي ماضٍ في طريق الترويع والإساءة إلى الآخرين، والدليل أن مئات من نشطاء «العراقية» أودعوا السجون بتهم وهمية وكاذبة، وأصبحت التهم جاهزة وتذكرنا بالأنظمة الديكتاتورية، وإيران عند دعمها نهجاً كهذا، تظلم العراق عبر السيطرة والاستحواذ، وإن لم تتراجع عن هذا فإنها ستتعرض إلى مشاكل كبيرة من الشعب العراقي في المستقبل. ما لخطوة التالية لو فشل مشروع سحب الثقة؟ - سحب الثقة من الحكومة هو جزء من موقف وليس الموقف كله، الموقف هو مناهضة الديكتاتورية والوقوف ضدها وضد التفرد الذي سيوصل العراق إلى الديكتاتورية، هذه الحال يجب أن نقاومها وفق الدستور العراقي وبأطر سلمية وضمن العملية السياسية، فسحب الثقة وسيلة من الوسائل التي قد تؤدي إلى هذا الهدف، وإذا توقفت هذه الوسيلة فهناك وسائل أخرى كثيرة يمكن اعتمادها، وفي الأيام المقبلة يمكن أن نطلب استجواب رئيس الوزراء في مجلس النواب بسبب ممارساته غير المقبولة ويمكن تكوين جبهة وطنية سياسية ديموقراطية جديدة داخل العملية السياسية. هل تثق بمواقف حلفاء «العراقية» اليوم؟ - ثقتي مطلقة، أنا والأخ مسعود البارزاني خضنا معارك جهادية طويلة ضد النظام الديكتاتوري السابق وكان عمرها عقوداً من السنوات، وكان هناك تلاحم واضح وثقة مطلقة في أحلك الظروف، الثقة موجودة أيضاً برجل محترم هو السيد مقتدى الصدر، وبصرف النظر عن بعض الإشاعات، فقد اتخذ موقفاً وطنياً واضحاً، وصرح برفض التفرد بالقرار السياسي ورفض الديكتاتورية في العراق، وبسبب هذا الموقف تعرض لإشكالات، حتى من إيران نفسها، لكن السيد مقتدى ابن سلالة كريمة وطيبة وأسرة عريقة بالعلم والسياسة، فلهذا ثقتنا مطلقة بهؤلاء الإخوة. لن نتراجع عن هذا المشروع، قاتلت الديكتاتورية لمدة 30 سنة وكدت أفقد حياتي في قتالي، وسأواجه أي نشوء للديكتاتورية في العراق وبكل الوسائل السلمية والديموقراطية المتاحة، ولن أسمح لها بأن تنمو، وسأتحالف مع كل القوى الوطنية العراقية التي تؤمن بالنهج نفسه. الآن لو طرحت، بديلاً لسحب الثقة، فكرة اللقاء الوطني وبضمانات لتغيير مسار المالكي؟ - كذب علينا المالكي وجماعته، وكذبوا على الشعب العراقي. فعند توقيعهم على اتفاقية أربيل لم ينفذوا أياً من بنودها، وحين قال رئيس الجمهورية لنسرع بعقد مؤتمر وطني، أجابونا لا نحتاج المؤتمر الوطني، ولنسمه اجتماعاً وطنياً، ثم أجهض الموضوع كله، أجهضت اتفاقية أربيل، وأجهضت دعوة رئيس الجمهورية لعقد المؤتمر الوطني. اليوم لا وجود لوزير دفاع ولا وزير داخلية ولا رئيس استخبارات، بل نرى رئيس مجلس الوزراء هو القائد العام ووزير الدفاع ووزير الداخلية، كيف تتحاور مع من يرمي بأنصارك في السجون؟ لا نستطيع أن نحضر حواراً ونحن متهمون، ولا يمكن الحوار مع من يمنع نائب رئيس الوزراء (صالح المطلك) من دخول مكتبه أو مع من يريد قتل أياد علاوي، الحوار ينبغي أن يبنى على حسن النيات وعلى الثقة بين الآخرين وعلى قناعة تامة بأن العراق هو للجميع. حددنا سقوفاً زمنية للتوافق الوطني، للنظام الداخلي لمجلس الوزراء، للتعينات، لمجلس السياسات، للمساءلة والعدالة ولتفكيك الهيئات غير النظامية التي تشكلت في مكتب رئيس مجلس الوزراء، لكن من دون أي استجابة، بل هناك خرق كامل للدستور، إضافة إلى تهديد حياتنا وحياة الآخرين في شكل واضح وسافر وعلني، وخطط التصفيات أصبحت موجودة ويتحدثون بها في أروقتهم الخاصة، قاموا بإجراءات ضدنا في منتهى القمع والإساءة بينما يفترض أن نكون شركاء سياسيين. كل اتهامات الحكومة لنا هي عبارة عن أحاديث كاذبة ومفبركة، تصنع في إيران. يقال إن ثمة حسنات لهذه الأزمة، فهي بطريقة ما أنهت التطييف السياسي في العراق، ذلك أن في «العراقية»، التي توصف بأنها خيمة للسّنّة، نواباً وقفوا إلى جانب المالكي وهناك أيضاً نواب من الشيعة وقفوا إلى جانب قضية سحب الثقة، هل تعتقد أن هذه الأزمة بدأت تحدث ثغرة في التطييف السياسي العراقي؟ - بالتأكيد، فالاجتماع الذي حصل في 28 نيسان كان واضحاً أنه قفز، ليس فقط عن الطائفية السياسية، بل عن الطائفية السياسية والجهوية والعرقية الاثنية، وأقول بكل وضوح إن اجتماع 28 نيسان كان اجتماعاً وطنياً عراقياً بامتياز. ما علاقتكم بأحمد جلبي اليوم؟ - علاقتنا جيدة ونتحاور في قضايا كثيرة، ويجمعنا هاجس التصدي للاستحواذ على السلطة والتفرد بها، لكنّ الأخ الجلبي لم ينضم إلى الموقعين على طلب سحب الثقة من المالكي. هناك من يقول إن الأزمة لم تعد عراقية، رئيس حكومة إقليم كردستان نجيرفان بارزاني في تركيا يبحث الشأن العراقي، وشخصيات عراقية في طهران تبحث الشأن ذاته، وهناك اتهامات من ائتلاف لدول عربية ولتركيا بالتدخل، هل أصبح الشأن العراقي شأناً إقليمياً؟ - نيجرفان البارزاني في تركيا لحضور المنتدى الاقتصادي الدولي، وهذا ليس له علاقة بالحديث عن الموضوع العراقي مع تركيا من قريب ولا من بعيد، أما في إيران ووفق معلوماتي فليس منا من ذهب إلى هناك. لكن التيار الصدري أجرى محادثات مع قيادات في إيران؟ - لا، التيار الصدري لم يجر محادثات، فالأخ السيد مصطفى اليعقوبي كان في إيران كي يبلغ موقف التيار الصدري للإيرانيين، والآن هو في بغداد، نحن لم نذهب إلى ايران ولا إلى السعودية، قرارنا كان عراقياً وهذا القرار حصل بتوافق واتفاق جرى بيني وبين الأخ مسعود البارزاني والأخ مقتدى الصدر، لا دخل لأي جهة أجنبية أو خارجية في هذا الموضوع. القضية عراقية بامتياز، يتعاطى بها أناس في مجلس النواب ضمن العملية السياسية، ووفق الدستور يريدون سحب الثقة من المالكي، فعن أي مؤامرة قطرية - سعودية يتحدثون، ما الذي تفعله قطر هل ترسل جيشاً؟ يتحدثون عن تمويل أو تقاضي رشى؟ - الرشى هم يوزعونها، لدينا شخص في «العراقية» يقول إن المالكي عرض عليه نصف مليون دولار إذا ترك «العراقية» ونصف مليون دولار أخرى إذا انضم إلى كتلة «العراقية البيضاء»، هذا هو التمويل، ومن يتهمنا بهذه التهم فهو ممارس هذه العملية، ويستخدم التمويل غير الشرعي المبني على الفساد الإداري وعلى العمولات. ما أشكال النفوذ الأميركي بعد الانسحاب وما مدى تأثيره؟ - أميركا لها اتفاقية استراتيجية مع العراق، لها جوانب أمنية وجوانب أخرى، الشيء الآخر هو أن أميركا هي الدولة العظمى في مجلس الأمن، حيث العراق لا يزال خاضعاً للفصل السابع، وأميركا الآن هي التي تحمي أموال العراق المودعة لديها، ومنها تتحول إلى المصرف المركزي العراقي، وبحماية أميركية وتجدد من قبل الرئيس الأميركي، هذه وسيلة من وسائل القوة التي تمتلكها أميركا في العراق وعلى العراقيين، مثلما لإيران نفوذ أيضاً. كيف تبدو أميركا وإيران المختلفتان في كثير من الملفات متفقتين في العراق؟ - هذه هي الحقيقة، فمسؤول أميركي قال لي لا يمكن أن تكون رئيس وزراء ولا نقبل بأن تتسلم «العراقية» هذا المنصب لأن إيران لا تقبل. هل تشير إلى بايدن؟ - لا أريد الإفصاح، ولكن مسؤولين أميركيين كباراً تكلموا معي وأمام قيادات «العراقية» عن أن إيران لا توافق على تولي «العراقية» منصب رئاسة الوزراء على رغم وجود استحقاقات انتخابية. هذا هو كلام أميركا. هل ما زال الموقف نفسه إلى يومنا هذا؟ - لا يزال هذا الموقف إلى الآن، ونحن لا ننطلق من موقف العداء لأميركا أو لإيران، نحن نريد أن نعيد العلاقة مع إيران إلى مسارها الصحيح، ونريد من أميركا أن لا تتدخل في الشأن العراقي بعدما فككت المؤسسات العراقية ودمرتها بالاحتلال، نحن نريد صداقة أميركا لكن، من دون أن تتدخل في الشأن الداخلي للعراق، مع العلم أن أميركا تقول نحن لا نتدخل لكنها موافقة على النهج الإيراني. وهم موافقون اليوم على بقاء المالكي؟ - أعطيك نموذجا، لو استحضرت تقارير منظمة «هيومن رايتس ووتش»، فستجد سجلاً واسعاً لخروق مذهلة لحقوق الإنسان في العراق، أميركا التي تنادي بحقوق الإنسان، لماذا لا تتحرك باتجاه هذه الأمور، نحن نريد من أميركا أن تلجأ إلى الوسيلة المنطقية والإيجابية والتي تصب في المصلحة العراقية وحتى لمصلحة أميركا نفسها. كيف تقرأ الوضع في سورية؟ وكيف تقوّم موقف الحكومة العراقية من سورية؟ - الموقف أصبح صعباً جداً، مئات الناس يقتلون كل يوم والتدمير مستمر بعدما كانت سورية عروس المنطقة لجمالها وشعبها الكريم، اليوم لم تعد سورية التي كنا نعرفها بسبب القتل وإطلاق النار العشوائي، لو كان كل هؤلاء إرهابيين فإنها كارثة، وهل من المعقول أن يوجد هذا الكم الهائل من الإرهاب من أقصى سورية إلى أدناها؟ أنا تحدثت إلى الرئيس بشار الأسد قبل نشوء هذه الحال وبعدها، فالحقيقة المشهد الآن محزن جداً ومزعج، وسقوط الضحايا ليس له مبرر أبداً، أما موقف الحكومة العراقية من سورية فلا أعتبره موقفاً للحكومة العراقية الحقيقية، لأن هذا الموقف اتخذ بتفرد، ولا نعرف ما هي سياسة رئيس الوزراء ولا نعرف سياسة (وزير الخارجية هوشيار) زيباري، لا أستطيع التعليق على سياسة الحكومة وموقفها من الأزمة في سورية لكن، كان بإمكان العراق وحكومته ورئيس الوزراء أن يلعبوا دوراً إيجابياً مع كل من إيران وسورية. وكما نعلم أن العراق هو جسر ما بين العمق الإسلامي المتمثل بتركيا وإيران والعمق العربي، كان على هذا الجسر أن يكون واسطة الخير. أشرت إلى القتل في سورية، هناك آلة لهذا القتل، هل تحمّل النظام السوري المسؤولية؟ - نعم، فمن البداية اقترحت على الرئيس الأسد عبر إرسال مندوب إليه وقبل تأزم الموقف، السير نحو الانفتاح السياسي وضرورة اعتبار كل من سقط شهيداً، والجلوس مع المعارضة عبر حوار وإلغاء المادة 8 من الدستور الخاصة بالبعث كونه الحزب الواحد، لكن الرئيس بشار وصف معارضيه بالإرهابيين، بعدها تأزمت الأمور ووصلت إلى ما هي عليه، فتركت الموضوع بعد أن رأيت أن لا مجال للتدخل، فبدأنا تأييد مواقف الجامعة العربية في معالجة الأزمة السورية.