تثير اللغة الإنكليزية التي يتحدثها ميثم جابر (23 سنة) بطلاقة استغراب جيرانه وأقاربه، فالشاب البسيط لم يدرس سوى عامين ثم غادر المدرسة وهو في السابعة من العمر ليمتهن بيع الأكياس البلاستيكية في «سوق الحي» إحدى أهم الأسواق الشعبية في مدينة الصدر القريبة من العاصمة بغداد. ميثم استمع إلى نصيحة أحد أصدقائه وعمل في المنطقة الخضراء في تنظيف المواقع التي كانت تستخدمها القوات الأميركية منذ عام 2004 وبدأ يتعلم اللغة الإنكليزية من الجنود الذين كانوا ينتشرون هناك، حتى أنه مع مرور الوقت ترك العمل في التنظيف وأصبح يُشرف على عمليات تفتيش العابرين ليصبح أكثر احتكاكاً باللغة وإتقاناً لها. يقول ميثم: «لا أجيد كتابة اسمي باللغة العربية لأنني تركت الدراسة في وقت مبكر بسبب البحث عن لقمة العيش، ولكني أجيد التحدث بالإنكليزية بطلاقة وهذا الأمر وّفر لي فرص عمل جيدة مع القوات الأميركية ثم عملت لاحقاً مترجماً مع الصحافيين الأجانب الوافدين إلى البلاد». ويعمل الشاب الأمي الموهوب باللغة في إحدى الشركات الأمنية التي تستقبل الصحافيين الأجانب وتقدم لهم الخدمات العامة مثل مرافقتهم أثناء التجوال في الشارع وإجراء المقابلات وغيرها، لكن لغته جذبت إليه الصحافيين الذين باتوا يستعينون به في بعض المهمات الخاصة التي تستلزم زيارة المناطق الشعبية في بغداد فيشكل خفي لإجراء مواضيع خاصة عن الشارع العراقي بعيداً من السيارات المدرعة التي ترافقهم في جولاتهم اليومية. «أنا محظوظ أكثر من زملائي، فعلى رغم عدم حصولي على أية شهادة إلا أنني أحصل على مرتب ملائم يفوق مرتبات الكثيرين من أقراني الذين يملكون شهادة جامعية» يعلق مبتسماً. حالة ميثم ليست فريدة من نوعها، فهناك المئات من الشباب الأميين في العراق تعلموا اللغة الإنكليزية بالتعايش مع القوات الأميركية في العراق طوال السنوات التي تلت عام 2003، وغالبية هؤلاء الشباب عملوا في وظائف بسيطة مع الأميركيين وكوّنوا صداقات كثيرة مع بعض الجنود تمكنوا من خلالها من إجادة اللغة الإنكليزية بطلاقة على رغم كونهم لا يجيدون القراءة والكتابة بلغتهم الأم. سيف جليل شاب آخر لم يدخل المدرسة، لكنه يتقن اللغة الإنكليزية في شكل كبير قياساً بالكثيرين من خريجي الجامعات. يقول سيف: «كان لي صديق يدعى ستيف اتفقت معه على أن أُعلمه اللغة العربية مقابل أن يُعلمني اللغة الإنكليزية ونجحنا بالفعل». الشاب الفطن لم يتعلم الإنكليزية فحسب بل تعلم كيف يستخدم الكومبيوتر وحصل على جهاز مستعمل من القوات الأميركية التي كانت تتخلص من بعض الأجهزة القديمة بين الحين والآخر» منحوني الجهاز هدية، كان مستعملاً لكنني استفدت منه كثيراً في تلك المرحلة ولا يزال بحوزتي». أحد أصدقاء سيف اقترح عليه شراء لوحة «كيبورد» لاصقة باللغة العربية ووضعها على الحروف الأصلية للكومبيوتر لأن الكيبورد كان باللغة الإنكليزية ولا يمكن استخدامه للطباعة باللغة العربية طالما لم يحفظ مواقع الحروف». رفضت ولم اشتر شيئاً فأنا لا أجيد العربية ولا أعرف قراءة الحروف، فقد هربت من المدرسة مرات عدة قبل أن تقرر عائلتي زجي في سوق العمل، وكان بكائي حجة مناسبة لعائلتي لتقديم عذر مقنع أمام الأقارب والجيران عن سبب تركي الدراسة في سن مبكرة». وعلى رغم الصداقة الجيدة التي كانت تربط سيف بصديقه الجندي، إلا أنه لم يبح لجيرانه أو معارفه يوماً بشيء عن ذلك الصديق، ويقول: «لو عرف بعض الجيران أنني كنت أعمل مع القوات الأميركية لاتهموني بالخيانة». تعلُّم الشباب الأميين اللغة الإنكليزية لم يفاجئ جيرانهم ومعارفهم فحسب، بل ولّد نوعاً من الغيرة بين بعض دارسي اللغة الإنكليزية في الجامعات الذين يتخرج الكثيرون منهم وهم يحملون شهاداتهم بفخر لكنهم لا يتمكنون من إكمال عبارة واحدة باللغة ذاتها.