غيّب الموت أمس أحد عمالقة الصحافة اللبنانية والعربية، وروّاد تطويرها الذين ارتقوا بها إلى مصافّ الصحافة العالمية، عميد دار «النهار» النائب والوزير والسفير السابق غسان تويني، صديق مؤسس جريدة «الحياة» وأحد رواد تحديث الصناعة الصحافية، الراحل كامل مروة ورفيقه. وتوفي غسان تويني فجر أمس عن عمر يناهز 86 سنة، كانت حافلة بالانجازات والإبداعات التي ساعدته على الاستقواء على النكبات من كثرة فَقْد الأعزاء وفلذات الكبد وزوجته، وآخرهم جبران، الذي كان أحد رموز «ثورة الأرز»، قبل غتياله العام 2005. وبرحيل تويني، الذي نهض منذ أواخر أربعينات القرن الماضي ب «النهار» الى مصاف المؤسسة الكبرى من مؤسسات الإعلام اللبناني في حقبته الذهبية، حين كانت بيروت مركز الإعلام العربي، تُقلب صفحة من كتاب الإعلام المكتوب الذي ساهم في صنع الأحداث والرؤساء في التاريخ اللبناني، إذ واكب الفقيد كبار لبنان وتعامل معهم من الند للند وعايش زعماء عرباً وأجانب وتتلمذ على يده رعيل قديم ومخضرم من الصحافيين اللبنانيين الذين احتفظوا بقيم المهنة ورقيها. وفيما يودّع لبنان غسان تويني اليوم في مأتم شعبي ورسمي وسياسي مهيب، نعاه كبار المسؤولين والقادة السياسيين في لبنان، هو الذي دخل ناديهم يوماً من موقع المفكر السياسي والمثقف الواسع الأفق. وفي باريس، عبّر الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند عن تأثره وحزنه العميق لوفاة تويني، ووصفه ب «الرجل الحر والصحافي الكبير والمواطن الملتزم من أجل لبنان متصالح مع نفسه وديموقراطي». وقال هولاند في بيان وزعه قصر الأليزيه، إنه يحيّي ذكرى «هذا الصحافي الكبير والديبلوماسي اللبناني الذي كان موضع احترام وتقدير من قبل الجميع خارج حدود لبنان نظراً لدقته الفكرية والمهنية التي يعبر عنها نجاح صحيفة «النهار» التي ساهم في جعلها احدى أجمل نجاحات الصحافة اليومية العربية في العقود الأخيرة». وأضاف انه «على رغم المحن المأسوية التي أصابت أسرته، بقي غسان تويني رجلاً حراً وعمل على ان يبقى دورُه دورَ المواطن الملتزم من أجل لبنان متصالح مع نفسه وديموقراطي». وأكد هولاند ان فرنسا «التي ارتبط بها تويني من خلال صداقة قديمة وعميقة وصادقة، تشعر بالألم لغيابه». وتلقى سليمان اتصالاً عصراً من هولاند، تم خلاله «البحث في العلاقات القائمة بين البلدين على المستويات كافة وفي شتى المجالات». وتناول الاتصال وفق المكتب الإعلامي الرئاسي في لبنان، «دور القوات الدولية العاملة في الجنوب (يونيفيل) والتي تشارك فيها فرنسا واستمرارها ضمنها لحفظ السلام، كما تطرق الى انعكاسات الأحداث في سورية على لبنان، اضافة الى موضوع الدعوة الى انعقاد هيئة الحوار الوطني الإثنين المقبل وأهمية هذا اللقاء في المساهمة بإبقاء الاستقرار قائماً على الساحة الداخلية اللبنانية». وتنعقد طاولة الحوار الوطني التي دعا اليها رئيس الجمهورية ميشال سليمان بعد غد الإثنين بغياب تويني عنها، بعد أن كان عضواً في هيئة الحوار بصيغتيها الأولى العام 2006، ثم العام 2009. وإذ يتغيّب عن اجتماع هيئة الحوار لأسباب سياسية رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، لاعتقاده أنها «ملهاة»، ورئيس الحكومة السابق سعد الحريري لوجوده خارج البلاد، فإن وفداً من تحالف «قوى 14 آذار» سيزور سليمان اليوم لتسليمه مذكرة باسمها تتضمن رأيها في الحوار، وتشدد على موقفها بوجوب رحيل الحكومة الحالية «لأنها غير قادرة بتركيبتها على مواكبة نتائجه»، وتصر على اعادة تبني قرارات الحوار السابقة ووضع آلية لتنفيذ ما لم ينفذ منها. وينتظر ان يتقدم الوفد، الذي تشارك فيه «القوات اللبنانية» على رغم عدم حضور رئيسها سمير جعجع جلسة الاثنين، رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة وربما شارك فيه أيضاً رئيس حزب «الكتائب» الرئيس السابق أمين الجميل، وسيطرح الوفد ملاحظات قوى 14 آذار على الحوار. وستعلن قوى 14 آذار نص المذكرة صباح اليوم. وتكاثرت النصائح الخارجية بأهمية الحوار بين الفرقاء اللبنانيين انطلاقاً من قلق العواصم الكبرى من تزايد تداعيات الأزمة السورية على الداخل اللبناني بفعل الانقسام حول الموقف منها. وكان آخر هذه النصائح من وزير الخارجية الألماني غيدو فيسترفيليه الذي التقى كبار المسؤولين في بيروت خلال اليومين الماضيين. وعلمت «الحياة» ان الوزير الألماني أكد للسنيورة حين التقاه أول من أمس «أننا نتفهم تحفظاتكم من خلال التجارب السابقة المخيبة لكم لنتائج الحوار التي لم تطبق رغم الإجماع عليها». وذكرت مصادر مطلعة أن فيسترفيليه رأى ان الحوار «رغم ذلك يساعد في تبريد الساحة الداخلية حتى لو لم تصدر عنه نتائج حاسمة، ومشاركتكم تنزع ذريعة من الذين يحاولون تحميلكم مسؤولية ما يترتب عن فشل الحوار». وزار السفير السعودي في بيروت علي عواض عسيري الرئيس سليمان وأكد تشجيع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الحوار، مشيراً الى ان «التوقيت ومواضيع النقاش ومواقف القوى المشاركة فيه تتعلق بالأشقاء اللبنانيين دون سواهم». على صعيد آخر، شهدت منطقتا باب التبانة وجبل محسن في طرابلس توتراً جديداً عصر أمس، حين أطلقت قنبلة يدوية على جبل محسن وقذيفة «اينرغا» على باب التبانة وحصل قنص في الشارع الفاصل بينهما، وردّت وحدات الجيش بغزارة على مصادر النيران فتوقفت الاشتباكات. وتردد ان قتيلاً سقط بسبب هذا الخرق الأمني وجُرحت امرأة. وزار قائد الجيش العماد جان قهوجي الرئيس السنيورة مساء أمس لبحث الوضع الأمني في الشمال.