بعيداً من حجم النتائج والتداعيات التي ستجلبها أو قد تجلبها القنبلة الإعلامية (أو «فقيعة القدومي» كما قالت مصادر السلطة الفلسطينية) التي أطلقها فاروق القدومي قبل أيام قليلة عبر مؤتمره الصحافي في العاصمة الأردنية عمان، وبغض النظر عن ردود الفعل المختلفة التي قللت من شأن تأثيراتها في حركة فتح والوضع الفلسطيني في شكل عام، أو التي ضخمت من نتائجها المتوقعة، إلا أن خطوة القدومي جاءت في سياقات واضحة لتدلل بأن حجم الاستعصاءات والتباينات التنظيمية والسياسية والشخصية داخل حركة فتح وصلت إلى نقطة حرجة بات فيها من الصعب على احد إعادة لملمة صفوف الإطارات القيادية التاريخية فيها، ورأب الصدع المتسع الذي ضرب حركة فتح منذ أكثر من عقد ونيف من الزمن، وبان شرخه واضحاً بعد رحيل ياسر عرفات، وفقدان فتح لعمادها التوحيدي، الذي كان قادراً على ضبط الإيقاع العام لمسار فتح دون هزات عنيفة ودون خروج نتوءات كبيرة من الجسم الفتحاوي. وبالطبع فإن إعادة تشريح الأوضاع العامة لحركة فتح وقراءة مناخاتها الداخلية التي هيأت لبروز الأزمة الراهنة أمر يحتاج لحديث طويل وكتابة مستفيضة، خصوصاً بعد أن كانت اللجنة التحضيرية المكلفة بالإعداد والتحضير لأعمال المؤتمر السادس لحركة فتح قد تشكلت قبيل وفاة الرئيس ياسر عرفات بسنة واحدة تقريباً، حين قرر الراحل عرفات ضرورة عقد مؤتمر للحركة وشكل لجنة تحضيرية من المجلس الثوري واللجنة المركزية لبحث ترتيب عقد مؤتمر الحركة، إلا أن اللجنة إياها اصطدمت طوال السنوات الخمس الماضية بالعثرات والمطبات المتعلقة بإعداد تقارير المؤتمر التنظيمية والسياسية، وبتركيبة المؤتمر وعضويته ومعايير العضوية فيه، وعدد ممثلي العسكريين، والتنظيم، ومكان انعقاده ... الخ. كما أن إقلاعها في عملها كان إقلاعا وئيداً للغاية، لأسباب تخفي ما وراءها من ألغاز مع تشكل هرم من المصالح التي باتت تؤمّن للمؤثّرين في «مواقع القرار وما حوله» حالة استقرار مع بريق لمعان السلطة وامتيازاتها ومع تدفق أموال الدول المانحة. كذلك في ظل رغبة عدد كبير من عتاولة حركة فتح في تعطيل عقد المؤتمر، أو ترتيب عقد مؤتمر محدد ومبتسر وعلى «مقاسات معينة» في أحسن الأحوال خشية من الاستحقاقات التنظيمية التي قد تترتب في خواتيمه ونتائجه حال انعقد بكامل شروطه النظامية، من إطاحة ودحرجة لمواقعهم التي طالما بقيت محجوزة لهم في شكل مستديم. ومن هنا فإن تواتر اجتماعات اللجنة التحضيرية في عمان استمر وتواصل طوال السنوات الخمس الماضية، ولكن في كل مرة كانت تعقد فيها الاجتماعات كان الجميع يبدأ «من نقطة الصفر» فبقي التطور في مسار عملها محدوداً، إلا أن أقلعت في المرحلة الأخيرة بطريقة مغايرة حيث تخللت اجتماعاتها قساوة متبادلة في الخطاب الحواري دفعت في إحدى المرات بالفريق نصر يوسف (مصطفى البشتاوي) عضو اللجنة المركزية لاستخدام (عصا الماريشالية) بلكز رفيق له من أعضاء اللجنة المركزية والتحضيرية. ومن هذا المنطلق، فإن قنبلة القدومي سواء كانت دخانية للتغبير والتعمية، أو صوتية (للبعبعة كما يقول بعض الفتحاويين المقربين من أبو مازن) أو لتعطيل انعقاد مؤتمر بيت لحم، أو كانت نووية من عيار قنبلة الالتحام الهيدروجيني، إلا أن امراً واضحاً يقر به الجميع وهو أن فاروق القدومي وبغض النظر عن دقة المعلومات التي قدمها من عدمها، بإعلانه انتقل بالمعركة الداخلية في فتح من طور إلى طور أخر، بالرغم من تراجع قدرته وسطوته ودوره في صناعة القرار الفتحاوي أو القرار الفلسطيني في شكل عام. ففاروق القدومي في نهاية المطاف واحد من القادة التاريخيين المؤسسين لحركة فتح الذين لم يتبق منهم على قيد الحياة سوى أربعة أشخاص (فاروق القدومي + محمود عباس + محمد راتب غنيم + سليم الزعنون). إضافة إلى ذلك فإن هناك اصطفافاً ملحوظاً لايمكن تجاهله يتمحور حول القدومي، ويضم من بين صفوفه أيضاً بعض أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح (هاني الحسن، اللواء محمد جهاد... ونسبياً سليم الزعنون) والبعض من أعضاء المجلس الثوري المقيمين خارج فلسطين. إضافة إلى وجود تيار من ثالث يعتمل داخل فتح يريد عقد مؤتمر نظامي متكامل وبتحضيرات تامة تؤدي إلى نجاح أعماله، لذلك مازال متحفظاً على عقد المؤتمر في بيت لحم ويضم في صفوفه قيادات متقدمة في مواقع العمل السياسي والتنظيمي. وفي هذا المجال، يمكن القول بأن ملاحظات جمة ترافق الآن الخطوات ما قبل الأخيرة من انعقاد مؤتمر فتح السادس في بيت لحم، انطلاقاً من نقد تحديد المكان والزمان بخلاف إرادة اللجنة التحضيرية. فمكان المؤتمر وزمانه جرى تحديدهما بقرار فوقي هبط على اللجنة التحضيرية في عمان، وهو ما ساعد على التسريع بحدوث تفاعل للأزمة وصولاً لإطلاق القدومي تصريحاته الأخيرة. فضلاً عن ذلك فإن ملاحظات من نمط نظامي تدور الآن في شأن المؤتمر، وهي ملاحظات قدمها الغيورون على حركة فتح ودورها التاريخي في مسار الحركة الوطنية الفلسطينية، والملاحظات هي : 1 إن تحضيرات المؤتمر القاعدية لم تكن كافية وجرى سلقها بالماء الساخن، فالعديد من الساحات والأقاليم لم تعقد مؤتمراتها النظامية بما في ذلك بعض أقاليم الضفة الغربية حيث توجد السلطة الفلسطينية. 2 طغيان منطق التعيين بعضوية المؤتمر بدلاً من انتخاب المندوبين، وهو أمر يضعف من صدقية تمثيل القاعدة التحتية لتنظيم الحركة. 3 تواضع أعداد مندوبي الشتات الفلسطيني خصوصاً إقليمي سوريا ولبنان، وهما الإقليمان اللذان شكلا تاريخياً الحاضنة الأساسية لحركة فتح والخزان البشري لقاعدتها العسكرية والفدائية. 4 بروز سطوة بعض الأفراد من الجيل الثالث في الداخل، من الذين باتوا يصولون ويجولون في أمر المؤتمر من ناحية تحديد الأعضاء والمندوبين، وهو ما وضع العديد من إشارات اللبس حول أدوارهم. 5 مع أهمية انعقاد المؤتمر على أرض فلسطين، إلا أن شكوكاً تتسرب تحسباً من مناخات تهيىء لوضع المؤتمرين أمامها. * كاتب فلسطيني.