كان الكاتب الأميركي راي برادبيري، الذي يعتبر أسطورة الخيال العلمي، والذي أعلنت عائلته وفاته مساء الأربعاء الماضي عن عمر يناهز واحداً وتسعين عاماً، شاعراً قلقاً على البقاء الروحي للإنسانية في مواجهة مادية المجتمع. إنه لا شك أبو الكلاسيكية المحدثة، فهو وضع مؤلفات على غرار رواية «فهرنهايت 451» (1953)، المستوحاة من عملية حرق النازية الكتب اليهودية، أو «سجلات المريخ» (1950)، حول أخطار التجرد من الإنسانية مع تقدم العلم. وعلى سؤال طرح عليه مرة، حول طريقة الابتكار عند الكتابة، أجاب أن «الكتابة هي نواة من الشغف المغلف بالذكاء، لا يخدم سوى تجنب الأخطاء الفادحة. وفي الحياة كما في الكتابة، يجب أن يقود الشغف خطواتنا، فالناس يرون صدقك ويسامحون كثيراً». في 2010، وخلال مقابلة أجراها مع صحيفة «لوس أنجليس تايمز»، صرح الكاتب المعروف بصراحته بأن الولاياتالمتحدة الأميركية في حاجة إلى «ثورة» لوضع حد لسلطة «الحكومة» المفرطة. وأضاف أنّ لا بد للولايات المتحدة الأميركية من أن «تعود إلى القمر لإرساء قاعدة لها بهدف إطلاق صاروخ يصل إلى المريخ، لتنتقل من ثمّ إلى المريخ والاستيطان فيه». وفي موقف شبه معاكس، صرح في مقابلة أخرى كمن لا تستهويه التكنولوجيا، قائلاً: «عالمنا مليء في شكل مفرط بالهواتف النقالة والإنترنت. يجب التخلص من هذه الأجهزة فقد كثرت في أيامنا هذه»، وكان يفاخر برفضه نشر كتبه على مواقع إلكترونية. إنه كاتب غزير الإنتاج: 500 قصة قصيرة و30 رواية وقصة خيالية وأشعار. وكتب الكثير من المسرحيات والسيناريوات الخاصة بالسينما والتلفزيون. و قال مرة: «لعل أكثر الأمور إثارةً في حياتي هي أن أستفيق كل صباح وأهرع إلى الآلة الطابعة لأكتب الفكرة الجديدة التي أتتني». ولد راي برادبيري في 22 آب (أغسطس) عام 1920 في مدينة واكيغان (ولاية إيلينوي الأميريكية)، وقد مكث في بطن والدته عشرة أشهر وليس تسعة، وهو يعزي قوة ذاكرته إلى هذا. اكتشف الأدب وهو في السابعة من العمر مع إدغار آلان بو. أبوه عامل تقني وأمه ذات جذور سويدية. كان في الرابعة عشرة، عندما انتقل أهله للعيش في لوس أنجليس. أصبح يقرأ كثيراً وبدأ بالكتابة. وفي السابعة عشرة، كتب أول قصة قصيرة له «سكريبت» وقد نشرت في مجلة للخيال العلمي. وبعد «دارك كارنيفال» (1947) اشتهر بكتاب «سجلات المريخ» وكتاب «فهرنهايت 451» الذي صنع منه المخرج الفرنسي فرنسوا تريفو فيلماً سينمائياً في عام 1966. وكان يروي أنه كتب «فهرنهايت 451» في مكتبة جامعة كاليفورنيا على آلة طابعة تعمل بقطع النقود المعدنية. بين 1963 و1964، كتب «لا فوار دي تينيبر» (سوق الظلمات) وأولى مسرحياته «كافيه إرلانديه» (1963) و «مسرح للغد... وما بعده» (1972) و «عمود النار» (1975). في 1986، وبعد توقف عن الكتابة دام ثلاثة وعشرين عاماً، عاد برادبيري ليكتب الروايات وألف «الوحدة تابوت من زجاج» وبعدها «شبح هوليوود» (1990) و «قرش دابلن» (1993). تعرض برادبيري لجلطة دماغية في عام 1999 ولكنه تمكن من العودة إلى العمل بمساعدة ابنته التي أملى عليها «من غبار إلى جسد» (2001) والكثير من الكتب الأخرى على غرار «شباب الصيف» (2002) و «يجب قتل كونستانس» (2003). وغالباً ما كان يردد أن الأهم «هو تخصيص الوقت لتحقيق الذات» وكان يحب أن يردد حكمتيه المفضلتين: «إلى الجحيم!» و «افعل ما عليك فعله». رزق أربع فتيات من زوجته مارغريت التي توفيت بعد ستة وخمسين عاماً زواجاً في عام 2003.