عاشت مدينة المنستير، في الساحل الشرقي لتونس، على وقع الدورة ال12 من «الملتقى الوطني للمبدعات العصاميات في التعبير التشكيلي»، بمشاركة أكثر من سبعين مبدعة من أنحاء البلاد، إضافة إلى مشاركات من اليابان وصربيا وروسيا وتايوان وتركيا. وشهدت الدورة الأخيرة إضافات وتحسينات عدة لتطوير فتحوّله أحد أهمّ المحطات الثقافية في تونس والعالم العربي، خصوصاً أن ملتقى للمبدعات العصاميات يرتكز على الاهتمام بالعمل التشكيلي بين نساء يعلّمن أنفسهن بأنفسهن ولا يخضعن لأي تكوين أكاديمي في هذا المجال، عدا بعض الدورات هنا وهناك. وقالت مشاركة تركية إنها أحبّت الأجواء: «كان الملتقى فرصة رائعة لأتعرف إلى تجارب تونسية في التشكيل الفنّي، تجارب ما كنت لأطلع عليها إلا في مهرجان كهذا»، لأن هؤلاء النساء لا يحظين بفرص العرض في غاليري أو حتى السفر لتقديم أعمالهن، كما هو الحال مع الفنانات والفنانين المكرّسين. ومن جديد التظاهرة ما لقي ترحيباً بين المشاركات لجدواه وفائدته، على غرار الاستعاضة عن الندوة الفكرية بمحاضرة تطبيقية لفاتح بن عامر، إضافة إلى درس تطبيقي عن المعالجة اللونية للفنان نجيب الزنايدي. ومما زاد الملتقى حميمية وأتاح التعارف بين المشاركات، نزهة بحرية في البحر المتوسط على متن باخرة سياحية. وفي المقابل، حافظ الملتقى على عدد من نشاطاته المعتادة، كورشة الرسم الزيتي بإشراف خالد عبد ربّه، وورشة الخزف الفني بإشراف وليد جاء وحدو، وورشة توظيف المواد المستعملة التي أشرف عليها رضا الغانمي، فضلاً عن المعرض الجماعي حيث قدّمت المشاركات أعمالهن في «المركب الثقافي»، ويستمر بعد نهاية أشغال الملتقى. في حفلة الاختتام، كرّمت المشاركات ووزّعت «اللمسة العصامية» (جائزة المهرجان)، على خلفية المجموعة الموسيقية للفنانة التشكيلية والعازفة نرجس ساسين، وهي إحدى المشاركات الوفيّات في التظاهرة. وفي سياق المشاركة الفاعلة للمبدعات الوفيّات للملتقى، كان للفنانة التشكيلية سميرة خليفي دور مهم في دعوة العديد من الفنانات الأجنبيات، ما يؤكد أن علاقة المهرجان بالمشاركات أصبحت تشاركيّة وتفاعلية ومفيدة في الاتجاهين، إذ تكتسب المشاركات التونسيات خبرات وأفكاراً جديدة من قريناتهن الآتيات من الخارج، وتتمكّن الضيفات من الاطلاع على تجارب مشرقية ومتوسطية لمبدعات قد لا يحظين بالمعرفة الفنية بقدر خريجات معاهد وكلّيات الفنون الجميلة، لكنهن يتّكلن على خبرات يكتسبنها بالممارسة ومن بعض ورش العمل فيبرز في أعمالهن، أكانت بسيطة أو مركّبة، المعطى الذاتي واللمسة الشخصية الفطرية إلى حد ما. وككل دورة في نهاية الملتقى، أعلنت نتائج المسابقة: الجائزة الأولى لنبيهة قيقة، والثانية لوئام الطاهري، والثالثة لآمال الحجار، والرابعة للتركية كولشين أنماش، والخامسة لسامية بن يوسف. وتألفت لجنة التحكيم من محمود قفصية رئيساً، وسامي بشير ووليد جاء وحدو وخالد عبد ربّه أعضاء. الملتقى الوطني للمبدعات العصاميات في التعبير التشكيلي أصبح علامة بارزة في المشهد التشكيلي التونسي، ومحجّاً سنوياً للعصاميات يبحثن فيه عن موطئ قدم، وتنمية لتجاربهنّ، ما يتطلب جهداً أعظم وموازنة أكبر، وهنا يبدو دور وزارة الثقافة التونسية أهم من أي وقت مضى من أجل مزيد من الدعم لهذا المهرجان الفريد من نوعه، تونسياً وعربياً.