لا يمرّ أسبوع في لبنان من دون إعادة طرح قضايا المرأة الملحّة من العنف المنزليّ والاغتصاب الزوجيّ إلى الحملة المكرّسة لإعطاء المواطنة اللبنانية الحقّ بإعطاء جنسيتها لأولادها، وكلّ هذه القضايا يصل صداها إلى آذان المسؤولين الحكوميين والرأي العام ولو كان تحقيق النتيجة النهائية المطلوبة يتطلّب سنوات من العمل. إلا أنّ بين كلّ هذه المواضيع الرئيسية تقف الأم العزباء لتسأل نفسها: وماذا عنّي؟ هل من مساحة لقضيتي؟ ليس من أجل حقوقي الخاصة، وإنما حقوق طفلي الذي وُلِد خارج الأطر الشرعية؟. عدد قليل جداً من الجمعيات يهتمّ بشؤون الأمهات العازبات اللواتي يعانين من ملاحقة المجتمع لهن في كلّ لحظة على اعتبارهن خارجات عن القوانين والقواعد الاجتماعية وأنّ خطأ إنجاب طفل من دون أب يعود إليهن فقط من دون الرجل. والسبب الأكبر لكون قضية الأمهات العازبات لا تزال في الخفاء على الساحة اللبنانية، يعود إلى خوفهن من الظهور إذ يفضّلن عرض أولادهن للتبنّي أو الاحتماء في الجمعيات أو حتّى تزوير الحقائق أمام النّاس ليبدين ظاهرياً كأرامل أو مطلّقات بدل أن تُكشَف حقيقتهن. لكنّ من بين هؤلاء النساء تبرز قصص كثيرة مأسوية لا يعرفها إلاّ من يتطلّع إلى أبعد من المظاهر الأولية التي لا تكشف القطب المخفية. جحيم مفتوح عشرون عاماً عمر قصّة عماد الذي ظلّ لسنوات مكتوم القيد، بعد أن وُلِد لأمّ عزباء لم تجد طريقها لتسجيل الطفل على اسمها كما تقتضي الإجراءات الرسمية خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الولادة بسبب المعاملات والتكاليف المالية التي لم تستطع تحمّلها، فتركته في عهدة امرأة أخرى من دون أن تستطيع تأمين إثبات وجوده. إلا أنّ عماد فهم قصّته منذ أصبح مراهقاً واستخدم شتّى الطرق ليتعرّف إلى أمّه ويجد لديها الأجوبة التي لم يستطع أحد تقديمها له، إلى أن وجدها قبل أيام قليلة تؤويها إحدى الجمعيات، ليتفاجأ أنّ عمرها 39 سنة فقط، ولم يستطع إلا سؤالها مباشرة «لماذا تركتني؟». الاحتفاظ بالجنين لا إجهاضه أمّ عماد لم تنسَ يوماً قصّة ابنها، ولا تزال تعيش في كلّ لحظة حزنها على فقدان طفلها وظروفها دفعته إلى مسامحتها بعد أن فهم أنّ حياة الأمّ العازبة في لبنان «جحيم مفتوح». فهذه الأمّ عانت الأمرّين لتبقي جنينها، وتمنع عنه الإجهاض بعدما اغتصبها شاب من قريتها، وحاول أهلها إنزال الجنين بوسائل مختلفة ومنها التعذيب، وبعد هروبها إلى العاصمة من دون أي دعم معنويّ أو ماديّ بدأت العمل في البيوت واستأجرت غرفة صغيرة غير ملائمة لاستقبال الصغير. إلاّ أن الاستمرار في هذه المسيرة لم يكن سهلاً، وبعد ولادة عماد في أروقة أحد المستشفيات، لم تسجّله لجهلها بأنها يمكنها تسجيله على اسمها. وبعد لقائها ابنها تقول أم عماد: «حاولوا معاقبتي على رفضي الإجهاض، لكنّ وجود ابني قربي يؤكد أنّ الخيار الذي اتخذته هو الصحيح». تتعدّد الأسباب التي توصل المرأة اللبنانية إلى أن تصبح أمّاً عزباء، من الاغتصاب بأنواعه كافة إلى إقامة علاقة كاملة خارج إطار الزواج وصولاً إلى الدعارة. وفي أغلب الحالات تتمسّك الأم بجنينها وتصرّ على الإنجاب على رغم كلّ الضغوط، لكنّ الواقع الإحصائي للأمّهات العازبات ما زال غير موجود، ما يعيق عملية التأكد من العوامل المشتركة التي توصل الفتاة إلى مرحلة الإنجاب من دون زوج. وعلى رغم أنّ الاهتمام الذي تناله تلك الأمّهات ضئيل جداً، وبمعظمه من قبل منظّمات مدنية، فهنّ يتمسّكن بأطفالهن ويحاولن تأمين مستوى عيش مقبول لهم. ولم تعبّر أي من الأمّهات عن ندمها لرفض خيار الإجهاض، لقناعة بأنّ ذلك يُعدّ «تصحيحاً للخطأ بخطأ أكبر». وتشير المرشدة الاجتماعية مها الأحمد التي عاينت من خلال عملها الميدانيّ العديد من الحالات لأمّهات عازبات، إلى أنّ الإجهاض في الدين «خطيئة»، وهذا ما ينطبق أيضاً على العلاقة خارج الزواج. وتنصح الأحمد بعدم تخلّي الأمّ عن طفلها في لحظة غضب أو قلق من المستقبل، وتدعوها إلى اللجوء خلال حملها إلى الجمعيات المعنية التي يمكن أن تساعدها أيضاً في إتمام الإجراءات القانونية. لكنّ الأهمّ من كلّ ذلك، بحسب الأحمد، هو تسهيل عملية تسجيل الطفل على اسم أمّه من قبل الجهات الرسمية من دون وصول القضية إلى المحاكم التي تستغرق سنوات قبل الوصول إلى الحكم النهائي. وإن كانت نظرة العار تُلاحق الأمّ العزباء في كلّ لحظة، فالأحمد تذكّر بأنّ الظروف الاجتماعية هي التي تقود إلى ولادة الآفات في المجتمع، و «بدل الوقوف عند الأمور السطحية لا بدّ من النظر إلى المشاكل التي تواجهها الفتاة في مجتمعنا مثل الحرمان العاطفيّ، التحرّش الجنسيّ، قلّة الثقة بالنفس بالإضافة إلى التسّرب المدرسي وعدم الوعي الجنسيّ والعوز الماليّ».