كشفت الصحافة الفرنسية، ثم تلتها الصحافة العربية، حضورَ وزيرة الإسكان الفرنسية الجديدة أولَ اجتماع لمجلس الوزراء الجديد ب «بنطلون جينز»، في حين حضرت الوزيرات اللاتي شكلن نصف المجلس تقريباً بالتنورة والجاكيت، كشكل يليق بهيبة المجلس وحسن آدابه. لكن أكثر ما لفت نظري أن الوزيرة المشاغبة كاسرة «الأتيكيت» وصلت بوسيلة نقل عامة، مما يعني أنها ركبت الباص أو المترو مثل أي مواطن عادي. هذا النوع من الأخبار يكون عادة ملح انتخابات العالم المتقدم، لكن نساء انتخابات فرنسا هذه المرة غلبن كل لبيب، فليست الوزيرة الجديدة، لابسة ال «جينز» والمستقلّة المواصلات العامة، هي وحدها اللافتة للنظر، بل تلاها خبر السيدة الأولى زوجة الرئيس الجديد هولاند، الذي يصر أن يكون رئيساً عادياً، فهي ترفض الانتقال للعيش في قصر الأليزية، وجيش الداخلية يحاول معها «ما يصير»، وهي تشيح بكفها «وخروا عني»، وهم يؤكدون لها أن الشقة تقع في شارع ضيق يصعب فيه توفير الحماية، لأنه من المستحيل مراقبة كل الجيران الساكنين في العمارة والتضييق على حريتهم، ويصرون عليها «الإليزيه يعني الإليزيه». زوجة الرئيس هولاند ليست هي الأولى -في المناسبة- التي رفضت التخلي عن السكن في شقتها العادية، فقبلها زوجة ميتران التي حالما تنتهي حفلات عشاء الأليزية تذهب الى شقتها في سان جيرمان، ثم كارلا زوجة ساركوزي الأخيرة، التي بقيت في شقتها، تنتظر زوجها الرئيس لينهي عمله ويعود إليها. وأول ما فاز ساركوزي بالرئاسة وقبل زواجه من كارلا، دخلت زوجته السابقة الإليزيه وصاحت بالعاملين وهي تقفل أنفها المزكوم برائحة التاريخ: «افتحوا النوافذ كي يخرج التاريخ»، وعليك أن تتذكر أن هذا التاريخ هو ديغول وميتران وشيراك، وليس القذافي ولا صدام حسين. ويبدو أن التاريخ لم يخرج، فخرجت هي بعد فوز ساركوزي بأسبوع، طالبة الطلاق من الرئيس ليكتب التاريخ أنه أول طلاق في الأليزية. لم تَغُرَّها تماثيل القصر وتحفه ولا ألماساته ولا صكوكه التي سيفرغها لها كتّاب العدل، ولن تمنح أقاربها عطايا ومناصب وزارية أو تقيد أسماءهم في كل الشركات التجارية ليشاركوا الناس -من دون عمل- أرباحهم. الهاربات من الإليزيه ذكَّرنني بزوجات الرؤساء العرب المخلوعين اللاتي كشفت الثورة عن ثرواتهن بعد السلطة، فسوزان مبارك عرضت قناة الجزيرة صورة صك يُملّكها القصر الجمهوري، ظناً منها أنه بيت زوجها يمكن نقل ملكيته، وليلى طرابلسي كان البنك المركزي - على ما بدا - يضع عنوان منزلها ضمن مخازن النقود، فيوماً يوصل النقود لمنزلها ويوماً لخزينة البنك العامة، لأن هذا ما شاهدنا بأم أعيننا عبر التلفزيون التونسي، وهو يعرض حزم النقود في الصناديق والظروف وبكل العملات. هل هذا خلل جيني عربي يصيب أصحاب السلطة في بلادنا بينما ينجو منه الغربيون؟ وإلا لماذا لا تهتم وزيرة الإسكان بأن ترتدي ما يليق باجتماع مجلس وزراء ثم تركب باصاً لتلحق باجتماعه؟ هل لأنها سهرت البارحة على ملفات العمل كما يليق. زميلتها وزيرة الصحة لم تهاجمها، كما تفعل زميلاتنا عادة، بل علّقت على فعلها قائلة: «طالما أن الجينز مصنوع في فرنسا فحسناً فعلت». [email protected] badryahalbeshr@