لم تبدد عودة الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي الى الانتشار في منطقتي باب التبانة وبعل محسن في طرابلس، اللتين شهدتا اشتباكات عنيفة أدت الى سقوط 10 قتلى وجرح العشرات بعضهم في حال الخطر، من حالة القلق التي تعيشها عاصمة الشمال أو تقلل المخاوف من تجدد هذه الاشتباكات، فيما اتسعت موجة التحذيرات اللبنانية من أن يكون الهدف من الإبقاء على المدينة رهينة الفلتان الأمني وانتشار المسلحين، إقحامها في نفق استيراد الأزمة السورية الى داخل لبنان من بوابته الشمالية، لتتحول الى مواقف عربية ودولية، عبّر عنها وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل الذي قال، في مؤتمر صحافي مشترك عقده مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في جدة امس، «ان ما حدث في طرابلس يشكل امتداداً لما يحصل في سورية واننا نلاحظ ان النظام السوري يحاول تحويل الصراع الى صراع طائفي لا يهدد فقط طرابلس ولبنان بل سورية نفسها». وكادت الاشتباكات الدموية في طرابلس التي تتجدد من حين لآخر، وتحديداً في العطلة الأسبوعية، تحجب الأنظار عن زيارة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان لدولة الكويت والمحادثات التي أجراها مع أميرها الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح في سياق جولة له على دول الخليج العربي كانت محطتها الأولى المملكة العربية السعودية. وشكلت محادثات سليمان في الكويت فرصة للتداول في التطورات الراهنة في المنطقة وخصوصاً الأزمة في سورية إضافة الى تعزيز العلاقات بين البلدين، وتمني لبنان على الكويت ان تعيد النظر في تحذير رعاياها من السفر اليه. وقالت مصادر وزارية ان سليمان تابع من الكويت، وفي اتصالاته مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزيري الدفاع الوطني فايز غصن والداخلية والبلديات مروان شربل وقادة الأجهزة الأمنية، الجهود الآيلة الى إعادة الهدوء الى طرابلس في ضوء ما تقرر في الاجتماع الذي عقد ليل أول من أمس بدعوة من ميقاتي، وتكثيف الإجراءات والتدابير الأمنية لمنع الجرح الذي ما زال ينزف توتراً واشتباكات من أن يتمدد في اتجاه مناطق أخرى، في ظل المخاوف من أن تكون الهدنة هشة. وفي هذا السياق وصف رئيس جبهة «النضال الوطني» وليد جنبلاط الذي يزور الكويت ايضا اشتباكات طرابلس بالخطيرة جداً، متمنياً على الحكماء ان يتفادوا تلك الأزمة، معتبراً ومحذراً من خطورة تدخل الجيش، مستشهداً بما حصل للجيش السوري عندما تدخل في الأزمة حيث «وقع في التراجع والانقسام»، مشدداً على ان الحل يكون بعدم نقل الأزمة السورية الى لبنان وتجنيب البلاد من خلال الحوار أي صراع أمني داخلي. وعلمت «الحياة» ان زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بقي من مقر إقامته في المملكة العربية السعودية على تواصل مع قيادات «المستقبل» في طرابلس والشمال ومفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار الذي تواصل بدوره مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري وقائد الجيش العماد جان قهوجي والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء الركن أشرف ريفي. وإذ تمنى الشعار على بري بأن يقوم بجهد لدى رئيس «الحزب العربي الديموقراطي» رفعت عيد يدعوه فيه الى التهدئة إفساحاً في المجال أمام الانتشار المشترك للجيش وقوى الأمن، في مواجهته لمن يحاول تهديد الاستقرار العام، فإن مصادر في «المستقبل» نقلت عن الحريري تشديده على توفير الغطاء من دون شروط للقوى الأمنية لإعادة الهدوء الى طرابلس وإنهاء الجزر الأمنية وضرب المحاولات الرامية الى فرض أمر واقع على عاصمة الشمال، إضافة الى إصراره على أن الحل لا يكون إلا باتخاذ قرار حاسم من قبل الجهات المعنية على قاعدة التشدد في التعامل مع المخلين بالأمن الذين يحاولون ان يأخذوا المدينة رهينة لأغراض خارجية تخدم مخطط النظام السوري في ضرب الاستقرار في لبنان من خلال تحريضه فئة على أخرى. لذلك، فإن وتيرة المخاوف من السباق بين استئناف الحوار الوطني بدعوة من رئيس الجمهورية في 11 الجاري وبين تهديد السلم الأهلي والإبقاء على طرابلس مدينة مضطربة تمهيداً لتعميم حالة عدم الاستقرار على مدن ومناطق أخرى، أخذت تتزايد ليس لصرف الأنظار عما يحصل في سورية فحسب وإنما لفرض جدول أعمال على طاولة الحوار تكون قاعدته أمنية بدلاً من أن ينصرف المدعوون أو بعضهم على الأقل، الى المطالبة بجدول أعمال سياسي، من بينه مسألة السلاح غير الشرعي. وقالت مصادر وزارية ان لا مبرر لحصر الحوار بجدول أعمال أمني يتعلق بالسلاح، باستثناء ذلك العائد الى المقاومة ومن خلالها «حزب الله»، مشيرة الى ان وقف إطلاق النار وتثبيته في طرابلس ليس من اختصاص من يشارك في الحوار انما يعود أولاً وأخيراً الى قرار يقضي بمكافحة ظاهرة فلتان السلاح في أي مكان كان والذي يتسبب باضطراب أمني يظهر القوى الأمنية اللبنانية على انها عاجزة عن التصدي له. ولفتت المصادر الى ان تجدد الاشتباكات في طرابلس يدعم مطالبة قوى «14 آذار» بإخراج السلاح من المدن وتحويلها الى مناطق منزوعة من السلاح الذي لم يعد من مبرر لاستخدامه فيها سوى انه يشكل تهديداً للسلم الأهلي. وفي شأن موقف «14 آذار» من الحوار، لم تستبعد المصادر أن تتوصل هذه القوى في نهاية المشاورات التي تجريها بين قياداتها الرئيسة الى إعادة النظر في موقفها المتحفظ عن الاشتراك، انطلاقاً من تقديرها لموقف رئيس الجمهورية الذي يشاركها المعاناة من الموقف المتأزم داخل الحكومة الذي أفقدها القدرة على الإنتاج. وتعتقد بان تلبية «14 آذار» دعوة سليمان يجب أن لا تفسر وكأن المعارضة تراجعت عن موقفها بمقدار ما انها تهدف الى تمرير رسالة لبعض القوى في الأكثرية بأنها لن تنجر الى اشتباك سياسي مع رئيس الجمهورية، وبالتالي فهي تدرس احتمال مشاركتها في الجلسة الأولى على أن تعقبها مشاورات يتولاها صاحب الدعوة لإنقاذ الحوار من المراوحة القاتلة في ظل عدم تنفيذ ما أجمعت عليه طاولة الحوار لدى انطلاقتها الأولى في آذار (مارس) 2006 بمبادرة من بري. وبالنسبة الى ما تردد بأن الاتصالات تكثفت بين ميقاتي وبعض الأطراف في الحكومة بغية التغلب على الاختلافات التي شلت قدرتها على العمل لتكون حاضرة في الحوار وهي في «حالة صحية» جيدة بالمعنى السياسي، علمت «الحياة» أن اللقاء الذي جمع أخيراً ميقاتي بكل من المعاونين السياسيين لرئيس المجلس النيابي الوزير علي حسن خليل والأمين العام لحزب الله، حسين خليل والوزير جبران باسيل خصص لوضعهم في أجواء الاتصالات التي أجراها في تركيا حول مصير المخطوفين اللبنانيين ال11 ولم يتم فيه التطرق الى كيفية ترميم الوضع الحكومي وهذا يعني ان جلسة مجلس الوزراء لن تحمل أي جديد يدعو الى التفاؤل.