في مسرحية مدرسة المشاغبين، إحدى المسرحيات الثلاث (مع شاهد ما شفش حاجة، والعيال كبرت) التي عجز المسرح المصري عن تجاوزها للأسف، يقول سعيد صالح لسهير البابلي مدرسته في الفصل «بتحطي كولونيا، بتحطي كولونيا ليييه»، هذا المقطع جال بخاطري وأنا أرى طرفاً ثالثاً بحسب نظريتي التآمرية ينجح في ضرب طرفين معاً، المجتمع الذي بالكاد يتصالح مع تعدد مشاربه، وهيئة الأمر بالمعروف التي أصلحت كثيراً من الفساد، وها هي تتصالح مع نفسها ومجتمعها عبر احترام كثير من الخصوصيات والأطر الثقافية العصرية. نعم أيها الأصدقاء والرفاق والإخوان، أيها الأهل والأحباب والصحب، لقد طار بكم مقطع فيديو سخيف في «عجة» نقاش محموم سئمنا منه، فالهيئة لا تعجب «ذولاك» مهما صنعوا، والمجتمع لا يعجب «ذولي» مهما تطور. في السوق نفسها، لا بد من أنه كان هناك امرأة غير مسلمة «مفرعة» لكنها تمشي في حالها، ولم تتبرج بالشكل الذي يغري بمعاكستها مثلاً، وفي السوق نفسها وفي الليلة ذاتها كان هناك سعوديات وعربيات مسلمات محجبات، كاشفات الوجوه كما هي قناعتهن وثقافتهن بكل احترام وترتيب، ولم يطردهن رجل الهيئة، لأن التطور الذي حصل هو أن منسوبيها بدأوا يفهمون أن الناس ليسوا على ثقافة واحدة، أو مذهب واحد، أو قناعة واحدة بقضية خلافية. ما أقصده أننا يجب أن ننصف الشوط الذي قطعه مسؤولو الهيئة بين فترة كانت النساء كاشفات الوجوه يُطردَن أو يؤمرن بالتغطية حتى لو لم يتبرجن بزينة، وبين فترة التفهم التي بدأت تنتشر شيئاً فشيئاً. ما الفرق إذاً؟ أرى أنه في قضية التبرج، بمعناها الحرفي العالمي، أي وضع أدوات الزينة النسائية التي تزيد الجمال، والرغبة، وهنا مربط الفرس، فيجب أن يعترف المدافعون عن الفتاة «المراهقة» بأنه حتى العائلات المتفتحة التي تحترم إنسانية المرأة وتتيح لها كشف وجهها بحجاب موقر، وهيئة محترمة، لا تسمح لنسائها وبناتها بوضع «الروج» أو «المناكير» أو أي شيء آخر في الأماكن العامة، فهذه الأشياء خاصة بالمناسبات والحفلات والأماكن الخاصة أخطأ رجل الهيئة في تكبير الموضوع، موضوع فتاة مراهقة تبحث عن شيء ما ربما، أو هي فرحة بزينتها، لكن لغتها لا توحي ببراءتها، وكان بإمكانه النصح العابر ثم إهمالها لعلها تخجل، وأخطأت الفتاة أيضاً بالتصعيد، بعد أن أخطأت بتزين ليس هذا مكانه. كان يكفي من رجل الهيئة أمرها بالمعروف وتركها، وكان يكفي منها خجلها من نفسها ولبسها خفر الأنثى والانسحاب حتى لو لم تطع النصيحة أو ترغب في تطبيقها، هكذا أرانا أجمل. رائحة الطرف الثالث قوية في هذا المقطع. [email protected] @mohamdalyami