ليس معنى قبولنا للديموقراطية الغربية كآلية انتخابية لتداول السلطة أن نقبلها بكل ما فيها من محاسن وعيوب، ولكن لا بد من تمحيص واصطفاء ما يصلح لحياتنا ويتوافق مع شريعتنا ونترك ما يفسدها ويتعدى شريعتنا وقيمنا الخلقية، فليس كل ما هو مقبول في الحياة الغربية مقبول إنسانياً أو إسلامياً، والحياة الغربية الى جانب ما فيها من محاسن فهي أيضا تحتوي على مفاسد يعاني منها الناس معاناة تسلبهم معنى السعادة والأمان، وهذا يتطلب دراسة متأنية وبحثاً عن المسالب لتجنبها. ومن هذه المسالب الحرية المفرطة في حق الفرد، في تملك وسائل الإعلام من صحف وفضائيات " السلطة الرابعة"، فهذا الحق يعطي فرداً واحداً أو أفراداً معدودين القدرة على التحكم في توجيه الرأي العام واحتكار معرفة الحقائق والسماح بتداولها أو منع وصولها الى المواطن، بما يخدم مصالح طبقة المُلاك وأصحاب النفوذ والمعلنين والسياسيين الموالين. و الحاصل في مصر أن الشعب بعد أن سلب سلطة التشريع من يد العلمانيين وفلول الحزب الوطني ورجال أعماله بثورته وانتخاباته الأخيرة، اتجه رجال الأعمال والفلول إلى تملك السلطة الرابعة (الصحف والفضائيات) فهي لا تأتي بانتخابات شعبية، ولكن طبقاً للنظام الليبرالي تُشترى بالمال بما تحتويه من معدات وأجهزة وكتّاب وصحافيين ومذيعين. ولأن طبقة الملاك والرأسماليين ينتشر بينهم الفساد وخرق القوانين والقيم، فهم سيغطون على جرائمهم وخروقاتهم للقيم والقوانين، ولن يعرف عنها الشعب شيئاً، وسيشوهون صورة الخصوم من السياسيين ويبتزون كل من يطالب بحقوق الفقراء أو العمال ولن يظهر فساد ولا اختراق إلا في حالة نادرة وهي عندما"يتخاصم السارقون". لقد تطورت وسائل الإعلام بإمكاناتها وعلومها حتى إنها أصبحت قادرة على تصوير الحسن قبيحاً والقبيح حسناً في أذهان الناس، وقلب الحقائق والموازين ونشر الأكاذيب والشائعات. فعلى سبيل المثال ما يحدث الآن في مصر، فمن الطبيعي والمنطقي في كل بلاد العالم الديموقراطي أن الشعب يختار الغالبية لتحكمه، لكن الإعلام الفلولي استطاع أن يقنع الكثيرين بأن الغالبية التشريعية لا يجوز أن تحكم أو تملك السلطة التنفيذية، وصرف أنظار الناس عن نهب الفلول وخروقاتهم، وصور للناس أن الفصيل الشريف الذي كان يحارب الفساد وسُجن واعتقل من اجل حقوق هذا الشعب ما هو إلا فصيل يريد أن يسيطر، بينما المكوشون فعلاً هم الأطهار وهم المدافعون عن حقوق الشعب وهم الواقفون كحائط صد ضد سيطرة هذا الفصيل، في الوقت الذي يمارسون النهب والاحتكار والاستغلال و التضليل الإعلامي. لكن هذه المعلومات أصبحت في خزانة يملكون مفاتيحها ويمنعون ويسمحون بما يخدم مصالحهم فقط ويسيء في الوقت نفسه لمنافسيهم السياسيين. لذا وجب تقييد إمكان التحكم والاحتكار بحيث نجعل الإعلام معبراً عن توجهات شعبية وتوسيع قاعدة التعبير عن الرأي بحيث لا يحتكرها فصيل بعينه ويمنع آخر لأنه لا يملك المال الكافي لتملك جزء من هذه السلطة. فكيف ننهي هذا الاحتكار؟ بالآتي : أن تكون الملكية جماعية، كشركة مساهمة أو جمعية خيرية مفتوحة العضوية، لا يقل فيها عدد المساهمين أو الأعضاء عن خمسة آلاف مساهم أو عضو، كما هو معمول به في الحد الأدنى لتكوين حزب سياسي، لأن خطورة صحيفة واحدة أو فضائية أخطر بكثير من مجرد تكوين حزب، وألا تزيد ملكية أحد المساهمين في هذه الشركة عن 002, في المئة أي أن نصيب الفرد كمساهم في هذه الشركة لا يزيد عن 1على 5000 مهما زاد عدد المساهمين، فهذا يعطي مساحة أكبر في عدد الملاك بما لا يدع مجالا لأفراد معدودين للتحكم في توجيه الرأي العام. طبعاً قد يلجأ بعض الملاك أو الأعضاء إلى عمل ملكية صورية لموظفيه في شركاته أو عائلته، فيستطيع السيطرة شرط ألا يزيد عدد المساهمين أو الأعضاء من شركة واحدة أو عائلة واحدة عن 01, في المئة أي لا تزيد ملكية العائلة الواحدة أو الشركة الواحدة عن خمسة أشخاص في الصحيفة أو الفضائية الواحدة، وألا يتملكها أو يساهم في العضوية سوى مصريين، وأن تكون حساباتها خاضعة لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات، وألا يتم تمويلها من أجانب. ويجب أن يعرف أسماء الملاك أو الأعضاء للجمهور حتى يعرف اتجاه ملاكها وأعضائها كجمعية، ويمكن تشجيع هذه النوعية من الشركات أو الجمعيات بمنحها قروضاً أو منحاً أو جوائز أو إعفاء من الضرائب بقدر التزامها بميثاق الشرف المهني الذي يمنع الكذب والتضليل والغش لكن هذا لن يتم إلا بتضافر الجهود الشعبية ضد سيطرة رجال الأعمال.