لا يملك أركان الدولة اللبنانية ولا الأطراف المحليون المواكبون للاتصالات الجارية للإفراج عن اللبنانيين ال11 المخطوفين في سورية أجوبة عن «القطبة المخفية» التي كانت وراء تأجيل الإفراج عنهم الجمعة الماضي، على رغم ان المعلومات الأولية أجمعت على أن إطلاقهم سيتم في أي لحظة، خصوصاً في ضوء ما تردد من أن هناك جهات خارجية دخلت على خط المفاوضات في محاولة لتأخيرها، باعتبار ان مشهد التآلف الذي عم لبنان جاء مخالفاً لأجواء الاحتقان السياسي السائدة فيه، وبالتالي لم يكن مريحاً للذين يراهنون على قطع الطريق على الجهود الآيلة الى خفض منسوب التوتر. ومع ان جميع المعنيين بملف الإفراج عن المخطوفين ال11 يتجنبون الدخول في التكهنات التي تسببت بتأخير إطلاقهم، بذريعة انهم يرفضون إصدار الأحكام السياسية المسبقة على النيات، فإن هناك من يسأل هل ان هناك من يطالب بثمن سياسي في مقابل الإفراج عنهم، على خلفية ان الاهتمام اللبناني على المستويين الرسمي والشعبي بمصيرهم يستدعي الاحتفاظ بهم الى حين يتأمن الثمن السياسي المطلوب الذي يتجاوز دفع فدية مالية الى ما هو أكبر وأهم؟ لذلك، فإن قرار جميع المعنيين بإطلاق المخطوفين ناجم عن ضرورة تحييد الجهود لتأمين وصولهم سالمين الى لبنان عن النزاعات السياسية، وأحياناً الحرتقات المحلية، وهذا ما يدفعهم الى السؤال عن تراجع الاندفاع، ولو موقتاً، من قبل الجهة المسؤولة عن اختطافهم لعلها تحصل على ثمن سياسي، مع ان لا شيء حتى الساعة يؤكد ما يتردد همساً في لبنان في هذا السياق. فالنبأ السار الذي زفه رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الى رئيس المجلس النيابي نبيه بري قرابة الثالثة بعد ظهر الجمعة الماضي، وفيه ان الجهود نجحت في اطلاق المخطوفين اللبنانيين، أحدث انفراجاً في الساحة الداخلية ولقي صدى طيباً لدى أهالي المخطوفين. وبادر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى الاتصال ببري للتأكد من صحة ما أخذت تتناقله محطات التلفزة والمواقع الإلكترونية، فأبلغه بأن الحريري اتصل به ونقل اليه هذه البشرى الطيبة. وكان رد فعله مبروك يا دولة الرئيس ولا يسعنا إلا أن نشيد بالجهود التي قام بها الرئيس الحريري. وبعدها تلقى ميقاتي اتصالاً من وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو أكد فيه ما نقله الحريري الى بري، مضيفاً أن المخطوفين سالمون ونتوقع ان يعبروا في أي لحظة الحدود السورية الى داخل الأراضي التركية. ونقلت المصادر الوزارية عن أوغلو قوله لميقاتي ان «الحريري يتواصل معنا ويبدي اهتماماً خاصاً بإطلاقهم وهو سيقوم بتأمين نقلهم من تركيا الى بيروت على متن طائرته الخاصة. وأظن ان من شأن هذه الخطوة أن تعيد اللحمة بين اللبنانيين». وأكدت المصادر نفسها ان ميقاتي شكر أوغلو على الجهود التي قامت بها الحكومة التركية، منوهاً بدور الحريري في هذا الخصوص، لافتة الى ان الأول قال لوزير الخارحية التركي: «من واجبي القيام بزيارة لأتوجه اليكم مباشرة بالشكر». وأضافت ان أوغلو قال لميقاتي: «لديك دعوة مفتوحة ونحن حاضرون لاستقبالك في الأسبوع المقبل في أي وقت». ورد ميقاتي بأنه حاضر لهذه الزيارة، لكن لا بد من التنسيق للاتفاق على موعدها كي لا تتضارب مع جلسات مجلس الوزراء... لكن أوغلو عاد واتصل -وفق المصادر- بعد ربع ساعة وأبلغ ميقاتي: «نحن ننتظرك غداً -اي أمس السبت-، وسأجتمع بك في المساء في اسطنبول على أن تلتقي أردوغان في اليوم التالي». إلا أن الأجواء التفاؤلية أخذت تتراجع مع تأجيل توجه الطائرة التي كان يفترض أن تقل المخطوفين الى مطار رفيق الحريري الدولي. وتلقى ميقاتي اتصالين من الوزيرين محمد فنيش وعلي حسن خليل يستفسران فيهما عن اللغط وراء عدم إقلاع الطائرة من احد المطارات في تركيا. وعاد ميقاتي الى الاتصال منتصف ليل الجمعة بأوغلو بعد اتصال جرى بين الأخير ووزير الخارجية عدنان منصور، الذي تأكد منه بأن المخطوفين في مكان آمن وهم يستعدون لعبور الحدود السورية الى تركيا. وكان يفترض أن يغادر ميقاتي في الرابعة بعد ظهر أول من أمس الى اسطنبول واتصل قبل موعد إقلاع الطائرة بأوغلو وقال له إن «الناس في بيروت على أعصابهم وهم ينتظرون وصول المخطوفين، وإن الجميع يستعدون لاستقبالهم، ولكن إذا حضرتُ الى اسطنبول وأمضيت فيها يومين من دون أن يفرج عن المخطوفين، عندها أكون حملت تركيا أكثر مما تتحمل، ونحن نشكركم على دوركم، وفتحت الباب أمام الدخول في اجتهادات وتوقعات لا نريدها». ورد أوغلو على ميقاتي واصفاً موقفه بأنه ينم عن حكمة، و «انت تعرف نفسية اللبنانيين أكثر منا وتقدّر مشاعرهم ويعود لك ان تتخذ القرار المناسب. وعلى كل حال، تستطيع زيارتنا متى تريد». وفي هذه الأثناء اتصل ميقاتي ببري وبرئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ولقي منهما تفهماً لوجهة نظره. ونقلت المصادر عن الأول قوله: «انه قرار سليم وحكيم»، خصوصاً ان ميقاتي كان سأل أثناء اجتماعه مع رئيس المجلس عما سيكون عليه الوضع داخل مطار رفيق الحريري وعلى الطرقات المؤدية إليه في حال عاد من اسطنبول من دون أن يفرج عن المخطوفين. وعليه، لا بد من الإشارة الى أن الأجواء التي عمت الساحة اللبنانية فور انتشار خبر اقتراب موعد الإفراج عن المخطوفين، أدت الى نزع «فتيل» استغلال البعض لحادثة الاختطاف في محاولة للضغط باتجاه تعميق الاحتقان السائد في البلد... ومع ان الجهود التي قامت بها قيادتا «حزب الله» وحركة «أمل» أدت الى السيطرة على الوضع واستيعاب رد الفعل على تأخر الإفراج عن المخطوفين، فإن السؤال عن أسباب الخلل الذي أخر إطلاقهم لا يزال قائماً، لا سيما أن هناك أكثر من تفسير للإشارات التي التقطتها القيادات اللبنانية من كبار المسؤولين في تركيا، وأولهم الحريري، الذي لم ينقطع عن التواصل مع أنقرة منذ اللحظة الأولى لاحتجازهم. وفي هذا السياق يؤكد بعض القيادات ان أوغلو أبلغ المتصلين به بأن المخطوفين أصبحوا داخل الأراضي التركية وهم في صحة جيدة وان الترتيبات قائمة لتأمين سفرهم الى بيروت بعد ان وضع الحريري طائرته الخاصة بتصرفهم... فيما تقول قيادات أخرى إن أوغلوا قال لهم: «ننتظر عبورهم في أي لحظة الحدود السورية الى الأراضي التركية». لهذا، فإن الخلل الناتج من تضاربِ ما تبلَّغه لبنان من المسؤولين في تركيا لا يزال غامضاً، فيما لا تجد من اللبنانيين من ينفي أو يؤكد ما قيل الجمعة الماضي بلسان المسؤولين الأتراك من أن المخطوفين عبروا الحدود السورية الى تركيا، وان سيارات تابعة للهلال الأحمر التركي تولت نقلهم من الحدود الى احد المستشفيات لمعاينتهم والتأكد من أنهم في حال صحية جيدة، خصوصاً بالنسبة الى بعضهم ممن يتناولون أدوية بسبب ظروفهم الصحية، ناهيك بهبوط طائرة الحريري في احد المطارات القريبة من الحدود التركية-السورية، والتي تأخر إقلاعها بسبب «الخلل» الذي أدى الى تأخير العودة الى لبنان. وبالتالي ليس لدى المسؤولين اللبنانيين أجوبة عما تردد من أن للخاطفين شروطاً معينة في مقابل الإفراج عن المخطوفين، خصوصاً في ظل تزايد الاهتمام اللبناني والدولي والعربي بالجهود الرامية الى الإفراج عنهم. إضافة الى انهم لم يتبلغوا وجود شروط مثل طلب فدية مالية أو الاستجابة لثمن سياسي تطالب به الجهة الخاطفة، علماً أن ما تتناقله وسائل الإعلام المحلية عن وجود وسطاء ليس دقيقاً، لأن من يتولى مثل هذه الوساطة لا يتحرك من أجلها في الإعلام فقط!