أكد خبراء ومراقبون ألمان أخيراً أن العقوبات الأوروبية والأميركية التي فرضت على روسيا بسبب أزمة أوكرانيا والعقوبات الروسية المضادة على الاتحاد الأوروبي، ستتسبّب بأضرار ملموسة في الاقتصادين الألماني والأوروبي، حال استمرت. وانعكس الضرر مباشرة على اليورو الذي هبط إلى ما دون 1.34 دولار، وعلى بورصة فرانكفورت حيث هبط «مؤشر داكس» للأسهم الألمانية خلال أيام قليلة من 10 آلاف و51 نقطة إلى أقل من تسعة آلاف نقطة في تداولات أول من أمس. وتهدف العقوبات الأوروبية إلى التضييق على المصارف الحكومية الروسية من الوصول إلى الأسواق المالية الأوروبية، ومنع بيع السلاح والبضائع ذات الاستخدام المدني والعسكري، ومنع توريد التكنولوجيا في القطاع النفطي، كما طاولت عدداً من أوثق معاوني الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، شملت منعهم من السفر إلى دول الاتحاد والحجز على ودائعهم. ودانت موسكو بداية العقوبات ووصفتها بأنها «غير مدروسة وغير مسؤولة»، ولكنها بعد إقرار اللائحة الثانية من العقوبات الغربية ضدها، قررت بدورها فرض عقوبات اقتصادية وتجارية لمدة سنة على الدول التي أيدت العقوبات، ومنها استراليا وكندا. وتشمل العقوبات الروسية المنتجات الزراعية والمواد الغذائية والمواد الخام وغيرها، ما سيكبد منتجيها خسائر نحو 20 بليون يورو وفق التقديرات الأولية. وفرضت روسيا أيضاً حظر استيراد الفواكه والخضار من بولندا وتشيكيا، ما سيعرّض المنتجين الزراعيين فيهما إلى خسارة نحو بليوني دولار. ولفت قرار الكرملين انتباه الأجهزة الروسية المسؤولة إلى «ضرورة دراسة انعكاس هذه العقوبات على الوضع الداخلي في روسيا، والحرص على عدم زيادة الأسعار فيها، والاستعاضة عن هذه المواد والبضائع بالإنتاج المحلي والتبادل التجاري مع الدول الصديقة». وكشفت مصادر اقتصادية أن روسيا ستتجه إلى تطوير التبادل التجاري مع البرازيل وغيرها من دول أميركا اللاتينية، إضافة إلى جارتها الصين الشعبية حيث وقعت معها إثر تهديد الغرب بفرض عقوبات عليها قبل فترة اتفاقاً طويل الأمد لتزويدها بالغاز والنفط قيمته 60 بليون دولار. وتدرس موسكو حالياً منع شركات الطيران الغربية المتوجهة إلى آسيا من الطيران فوق سيبيريا، ما سيرفع تكاليف السفر في شكل ملموس. وقال كبير خبراء شركة «أسّت اند ولث» الألماني أزوكا فورمان إن «حجم الضرر الذي سيصيب اقتصاد منطقة اليورو بسبب العقوبات الغربية سيراوح بين 0.1 و0.4 في المئة من النمو السنوي المنتظر هذه السنة وعام 2015». وأضاف أن «مثل هذا الانخفاض لا يبدو كارثياً للوهلة الأولى، ولكن معدل النمو المنتظر هذه السنة لا يتجاوز الواحد في المئة، وبالتالي فان تراجعه 0.4 في المئة سيكون كبيراً، خصوصاً وأن الصناعة الألمانية ستنوء تحت عبء العقوبات». وللمقارنة، صدّرت ألمانيا عام 2013 الماضي إلى روسيا ما قيمته 40.4 بليون يورو، أي 3.3 في المئة من إجمالي صادراتها. ويشكل هذا الرقم أقل بقليل من نصف حجم ما تصدره أوروبا إلى روسيا وقيمته 88.6 بليون يورو. وقال الخبير في مصرف «دي سي بنك» شتيفان بيلماير: «في حال تراجعت الصادرات الألمانية إلى روسيا 20 في المئة هذه السنة، وهذا أمر ممكن، فسيعادل ذلك فقدان ثمانية بلايين يورو أو 0.3 في المئة من إجمالي الصادرات». ورأى الخبير المالي في مصرف «هسّن تورينغن» الحكومي شتيفان ميتروبولوس أن «القطاع الأكثر تضرراً من المقاطعة سيكون قطاع إنتاج الآلات على المديين القصير والطويل»، محذراً من «احتمال تحول الشركات الروسية نحو اليابان والإبقاء على التعامل معها في هذا المجال حتى بعد وقف العقوبات». وذكر مراقبون أيضاً أن شركة «أديداس» الشهيرة للأدوات الرياضية ستتضرر كثيراً، خصوصاً وأن سهمها الذي خسر 15 في المئة من قيمته بعد الإعلان عن الشريحة الثانية من العقوبات ضد روسيا، وصل إلى أدنى مستوياته منذ عامين. وحذرت «هيئة الشرق في الاقتصاد الألماني»، التي تضم الشركات العاملة في روسيا، من الأثر السلبي للعقوبات الغربية على أوضاع آلاف العمال الألمان، مشيرة إلى أخطار تراجع الصادرات إلى روسيا. وقال رئيس الهيئة اركهارد كوردس إن «أكثر من 25 ألف وظيفة في ألمانيا أصبحت الآن في خطر» مشيراً إلى أن «العقوبات الأخيرة ستعزز الاتجاه السلبي». وكان اتحاد غرف التجارة والصناعة الألمانية اعترض منذ البداية على العقوبات ولفت نظر الحكومة الشهر الماضي إلى ارتباط نحو 300 ألف عامل وموظف في ألمانيا، بالعلاقات التجارية والاقتصادية مع روسيا. ولكن أصحاب عمل ألمان رحبوا بالعقوبات.