تابع العالم كله الانتخابات الرئاسية في فرنسا، وفوز السيد فرانسوا هولاند عن الحزب الاشتراكي فيها. ولكن المهتمين بشؤون الجاليات والأقليات الإسلامية في أوروبا بعامة وفي فرنسا بخاصة، كان تركيزهم منصباً على انعكاسات هذا التحول الذي حدث في السياسة الفرنسية من اليمين إلى اليسار، على الوضع الذي يعيش فيه المسلمون في فرنسا الذين هم على صنفين؛ مسلمين مواطنين فرنسيين، ومسلمين من دول عربية وأفريقية وآسيوية يقيمون في فرنسا بصفة قانونية، إما للعمل أو للدراسة. ويبلغ تعداد المسلمين جميعاً في فرنسا أكثر من خمسة ملايين نسمة، وفقاً لإحصائيات غير رسمية، لأن قانون الإعلام والحريات يمنع تعداد المواطنين وفق انتمائهم العرقي أو الديني أو الفلسفي. ومع ذلك فإن هذه النسبة تقارب الثمانية في المئة من تعداد السكان. وهي أكبر نسبة للمسلمين في دولة عضو في الاتحاد الأوروبي. فالإسلام أصبح ممثلاً اليوم في فرنسا بمجموعة هي الأكبر في الاتحاد الأوروبي. وهذا ما يُعطي الظاهرة الإسلامية في فرنسا خصوصية لازمة الاحترام. ولكن درجة الحرارة في الآلة التي تفجر الصراع العنصري والديني في فرنسا أعلى منها في البلدان الأوروبية الأخرى، بما في ذلك ألمانيا وهولندا والنروج والدنمارك، فمستوى العداء السافر والمعلن للإسلام عقدية وثقافة وحضارة وأمة في فرنسا لا يكاد يقارن بما في البلدان الأوروبية الأخرى، بل حتى في الولاياتالمتحدة الأميركية. وهذه الكراهية للإسلام والخوف من تصاعد ظاهرة تزايد عدد المسلمين في أوروبا، أو ما يُسمّى «الإسلاموفوبيا»، وهو مصطلح صك في العقد الأخير من القرن الماضي، وزاد انتشاراً في وسائل الإعلام والأوساط السياسية والثقافية وحتى الأكاديمية في الغرب بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، أمران لا بد من التعامل معهما بكل جدية ومسؤولية. وثمة مغالطة تنتشر على نطاق واسع في الإعلام العربي خصوصاً، وهي الربط دائماً بين الكراهية للإسلام والعنصرية وبين اليمين. فإذا كان بعض الأحزاب اليمينية الأوروبية ضالعاً في الحملة المعادية للإسلام، فإن هذا ليس موجباً للتعميم، فحتى بعض الأحزاب اليسارية الأوروبية المتطرفة لها مواقف معادية للإسلام. وربما كان من القواسم المشتركة بين اليمين المتطرف واليسار المتطرف اتخاذهما هذا الموقف المجانب للعدالة والمخالف لمبادئ حقوق الإنسان من الإسلام والمسلمين، أو مما يصطلح عليه بالظاهرة الإسلامية في الغرب. إن النظر إلى المسألة من هذه الزاوية فقط دون غيرها من الزوايا، لا يضعنا في كل الأحوال أمام الحقائق كما هي على الأرض. فالتطرّف اليميني واليساري رسم أمام الشعوب الأوروبية صورة مخيفة مرعبة للإسلام وللمسلمين، واخترع ما يسميه الإعلام الغربي والدوائر السياسية المتطرفة ب «القنبلة الديموغرافية الإسلامية الموقوتة» التي تتسع رقعتها يوماً بعد يوم متحدية كل الحواجز، وهو الأمر الذي يشكل خطراً محدقاً بالجاليات والأقليات الإسلامية في فرنسا على وجه الإجمال، لأن هذا الخطر لا يستثني فئة دون أخرى. إنَّ تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا يأتي من اختلال في موازين العدل والمساواة والقانون والاحترام المتبادل للقيم المشتركة بين الأمم والشعوب. لكن الواقع على الأرض وفي الحياة العامة لا يعكس دائماً هذه المبادئ الدستورية والقيم الجمهورية العلمانية، والأزمة تنشأ من عدم الوفاء لهذه القيم وتلك المبادئ، ومن الانجرار وراء الأصوات التي تدعو إلى الكراهية ومعاداة الأجانب بدعوى الحفاظ على نقاء العنصر الوطني الفرنسي. ويقصد بذلك، في المقام الأول، المسلمون عموماً. فبالرجوع إلى قانون 1905 الذي يفصل بين الكنيسة والدولة الفرنسية، نجد أنه لم ينظر إلى سلطة الكنيسة، أو إلى أي دين من الأديان، على أنها خطر مهدد لنسيج المجتمع الفرنسي. وهذا عنصر إيجابي يفتح المجال للتعايش، وهو الذي يُقصد به الشعار الذي يرفع في مجال المطالبة باحترام التعددية والتنوع (العيش معاً). أما الدستور الفرنسي فهو يلزم الحكومة بتوفير «المساواة لجميع المواطنين أمام القانون من دون تمييز من حيث الأصل أو العرق أو الدين». وهذا مبدأ دستوري يجب أن يراعى في التعامل الرسمي والشعبي مع الإسلام والمسلمين، ويتعين على المسلمين الاستناد إليه في الدفاع عن حقوقهم ومصالحهم والسعي من أجل احترام قيمهم وخصوصياتهم الثقافية والحضارية. ولا بد من الاعتراف، في هذا السياق، بأن جزءاً من الأزمة التي يواجهها المسلمون في فرنسا، بل في أوروبا عموماً، يعود إلى بعض الممارسات غير السوية التي تقوم بها فئات من المسلمين تعيش هناك، كما يرجع إلى عدم اللجوء إلى القانون في الدفاع عن مصالح الجاليات الإسلامية، أو إلى عدم احترام القوانين بالنسبة الى فئة أخرى. وهذه حالة ملموسة لا تخفى على من يتابع الوضع عن كثب. إن العالم الإسلامي كله يتطلع اليوم إلى أن تنحسر موجة الإسلاموفوبيا في فرنساالجديدة، في عهد الحزب الاشتراكي الذي سيحكم البلاد خلال المرحلة الحالية، لأن في ذلك مصلحة لفرنسا وللغرب ومصلحة لمسلمي فرنسا وللعلاقات التاريخية بين فرنسا والعالم الإسلامي التي لا بد من تطويرها وحماية اعتدالها وعدالتها.