مع دخول فصل الصيف، جمعت أرصفة شوارع محافظة الطائف مشهداً يتكرر بصورة يومية يتولى تنفيذه وإخراجه مجموعة من الشبان المكافحين الطامحين إلى مستقبل واعد، إذ تظهر فصول المشهد للمتلقي من سكان المحافظة السياحية وزوارها من المصطافين والسياح، أرصفة جمالية مرصعة بأنواع عدة من المنتجات الزراعية تتنافس بجودتها على قارعة الطريق. محمد هزازي قَدِم من سهول جازان الساحلية يحمل منتج مدينته من «المانجو»، فيما احتل «النعناع» و«الحبق المديني» الضفة المقابلة، وتناثرت عروض تمور الأحساء والقصيم إلى جانب العنب الطائفي، وملأت الفراغات الأخرى بينهما. ويعتبر الهزازي فصل الصيف فرصة مفتوحة لمن يرغب استثمارها والتفكير في العائد المادي، ويضيف: «الناس يتنقلون بين المدن والدول، وينفقون مبالغ مالية طائلة على الترفيه والتسوق والتجوال والسكن أيضاً، وأمام هذه المنافسة وجدنا فرصتنا بأيسر الطرق غير المكلفة». وعلاوةً على جني الأرباح، يقول هزازي إنه يحمل رسالة للترويج للمنتج والتعريف به، «فالجائل في شارع شبرا سترتسم في ذاكرته خريطة ذهنية تحلق به بين جازان والأحساء والقصيم وطيبة وغيرها من المدن. وأوجد إبراهيم الأنصاري الذي يسوق ورقيات طيبة في شوارع مدينة الورد، خطاً ساخناً يتواصل من خلاله مع المزارعين لتزويده بالكميات لمواجهة الطلب على بضاعته الذي وصفه ب «المرتفع»، وبين أن النعناع والحبق لا يتجاوز عمر احتفاظهما بنكهتهما المطلوبة في صفوف المتذوقين من عشاقهما اليومين فقط، «ونظير ذلك، نحن في صراع ضد المسافة والزمن بغية الحفاظ على جودة عروضنا». وفي المقابل، تعد مدينة الطائف المستضيفة لهؤلاء، مورداً للفاكهة والخضراوات بأنواعها كافة، ما يعطي تصوراً أن المنتجات المقبلة من خارجها تحقق المثل المكي: «بيع الموية في حارة السقايين». ويشير المرشد السياحي أحمد الجعيد، إلى أن جميع المنتجات الموجودة في الطائف «وطنية»، وأن المنافسة مطلوبة، لافتاً إلى أن مخزون الطائف يتفرد بمخاطبة الحواس الخمس للإنسان، فعبق وردها الفريد من نوعه يداعب حاسة الشم، والفاكهة والسمن والعسل ثالوث اتحد للتفاعل مع حاسة الذوق، ويظل الهواء العليل الذي يهب على الأجسام متفرغاً لحاسة اللمس، أما عن البصر ولغة العيون فهي تجوب بساتين وجنات غناء تضم بين أوراق وأغصان شجيراتها عصافير تطرب مزاميرها ومقاطعها الفنية مسامع المتلقين. ويرى التربوي حسن العوفي وهو مدير مدرسة ثانوية، أن الطائف تعد مدرسة فطرية يكتشفها المتعمق في جمالها، فهي جمعت التخصصات كافة، فجبالها الصم تعلم الشموخ والثقة، وأوديتها تشير إلى رحابة الصدر، ووردها يعلم الحب والتسامح، ونسمات هوائها تعطي دروساً في أريحية وبساطة التعامل والصدق ونقاء السريرة، وتاريخها للمجد والاعتزاز، وقربها من مكةالمكرمة الذي أكسبها مكانة كبيرة في صفوف المدن يعطي درساً في حسن الجوار، خصوصاً أن منتج الطائف من الورد تتعطر به الكعبة المشرفة.