«شائعة جداً بين المغاربة عبارة «بَاك صاحبي» (أي أبوك صديقي). يستخدم هذا التعبير نكاية في ممارسات المحسوبية والوساطات غير القانونية. وراج عن قطاع تشغيل الشباب أنه أكبر مستخدمي تأشيرة «أبوك صاحبي». ويمكن للاستخدام أن يحمل معنيين اثنين: أن الوساطات تشتغل فيه بقوة، وأن الشريحة العريضة للشباب الباحث عن فرصة عمل هي أكثر المتضررين منها، فتلجأ إليها بالتالي للتعبير عن مرارتها وإحباطها، فهذه التأشيرة ناسفة لتكافؤ الفرص. بيد أنه منذ بضعة أيام فقط، دخل على تأشيرة الشغل الفاسدة هذه تعديل مهم، اذ قال رئيس الحكومة المغربي إن «زمن باك صاحبي انتهى». بجرأة سياسية غير مسبوقة في تاريخ الحكومات المغربية، رفض عبد الإله بن كيران في أول جلسة شهرية لمراجعة السياسة الحكومية العامة أمام البرلمان المغربي بعد تنصيب أول حكومة ما بعد تعديل الدستور الصيف الماضي، ويقودها حزبه الإسلامي «العدالة والتنمية»، رفضاً قاطعاً التشغيل المباشر للعاطلين من العمل المحتجين، وقال إنه يفترض بالحكومة والنواب عدم خرق القانون الذي ينص على وجوب اجتياز مباريات الولوج إلى الوظيفة الحكومية، لأن الرضوخ لضغط الشارع فقط هو تدبير موقت للأزمة لا يحل معضلة العاطلين. لكن الممارسات من طينة «باك صاحبي» هي التي دفعت آلاف الشباب خريجي الجامعات وحاملي الشهادات العليا إلى الاحتجاج منذ سنوات طويلة. ونجم عن الفقدان التام للثقة بتكافؤ فرص الحصول على منصب عمل، بخاصة في القطاع العام، نزول كبير الى الشوارع للضغط على الحكومة بهدف التشغيل الفوري والمباشر. وسمح ضغط الشارع ومثابرة تنسيقيات العاطلين من العمل، بخاصة عقب انطلاق احتجاجات حركة 20 فبراير، بإدماج 8797 شاباً في الوظيفة العمومية بشكل مباشر في الحكومة السابقة ما بين 2008 و2011. وبالنسبة الى أولئك وهؤلاء، فإن أي كلام عن الشفافية وضمان تكافؤ الفرص مجرد وهم أمام الواقع الفعلي. والآن، وقد أُعلن عن عشرات الآلاف من مناصب الشغل في قطاعات عامة متعددة خصصت لموازنة العام الجاري، سيكون رئيس الحكومة أمام اختبار صعب لمنع عقلية الوساطات من الاشتغال في الظل، وعرقلة مبدأ الاستحقاق الذي قال عنه إنه متحقق» عبر المباريات وليس عبر الاحتجاج في شوارع الرباط»، وبواسطة «تدابير جديدة تضمن تكافؤ الفرص عبر تطبيق مسطرة المباريات واعتماد الشفافية في الإعلان عن المناصب»، داعياً الشباب إلى التفكير في التشغيل الذاتي والتجاوب مع عروض المساعدة المتوافرة وتلك التي ستعرض مستقبلاً. ومن الوارد أن تضعف المواقف غير المألوفة والواضحة لرئيس الحكومة في البرلمان تعاطف المجتمع مع المحتجين، فحتى خصومه أشادوا بجرأته وواقعيته. وبدا النواب الذين دافعوا عن ملف التشغيل المباشر في حرج، فهم في نهاية المطاف لن يستطيعوا الاتفاق مع خرق القانون. وبالمثل هم عاجزون عن مباركة الحلول الموقتة التي تؤجل حل الأزمات وترسخ الفساد والتمييز بين المواطنين وفقدان الثقة بمؤسسات الدولة وخدماتها. وإذا كان احتجاج خريجي الجامعات وجه الأضواء إلى البطالة، وجعلها شأناً سياسياً يومياً، فإن حاملي الشهادات العليا لا يمثلون سوى نسبة ضئيلة من الشباب المغربي العاطل من العمل (5 في المئة). ولعل صدور تقرير البنك الدولي أخيراً حول بطالة الشباب غير الحامل للشهادات الجامعية أتى في توقيت سيء بالنسبة الى مطالب هؤلاء. فزهاء نصف الشباب المتراوحة أعمارهم ما بين 15 و29 سنة إما لا يجدون عملاً أو لا يحصلون على مقعد دراسي. وهذه النسبة تشكل 30 في المئة من مجموع السكان و40 في المئة من البالغين سن العمل (ما بين 15 و64 سنة). وهم أيضاً ليسوا في منأى من لعنة تأشيرة «باك صاحبي». وفوق ذلك، تزيد وضعية وقوفهم في صمت على رصيف احتجاجات حاملي الشهادات من تهميشهم والحد من فرص إدماجهم في البرامج الموضوعة لاستعاب العاطلين من العاملين. وسنوياً، يرفد هؤلاء الشباب سوق الشغل ب300 ألف باحث عن الشغل، لكن هذه السوق، بقطاعيها العام والخاص، لا تعرض غير نصف العدد من الفرص.